ثم أُتِيَ بفرس عُرْي فَعَقَلَهُ -أي حبسه- رجُلٌ فَركِبَهُ، فجعل يتوقَّصُ - أي يتوثب به، ونحن نَتَّبِعُه نَسْعى خَلْفَهُ قال: فقال رجلٌ من القوم: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "كمْ من عِذْقٍ مُعَلَّقٍ -أو مُدَلّى- في الجنة لابن الدَّحْداح -أو قال شعبة-: "لأبي الدحداح"].
وللحديث شاهد من رواية عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم قال: [لما نزلت: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا..﴾ جاء ابن الدحداح..] (١). وشاهد آخر عند ابن أبي حاتم عن عبد اللَّه بن الحارث، عن عبد اللَّه بن مسعود قال: [لما نزلت هذه الآية: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ﴾، قال أبو الدّحداح الأنصاري: يا رسول اللَّه! وإنَّ اللَّه ليريد منَّا القرضَ؟ قال: نعم، يا أبا الدّحداح! قال: أرِنِي يدَكَ يا رسول اللَّه! فناولَه يدَه، قال: فإني قد أقرضتُ ربي حائِطي - وله حائط فيه ستُّ مئة نخلة، وأمُّ الدَّحداح فيه وعيالُها، قال: فجاء أبو الدَّحداح فناداها: يا أمَّ الدَّحداح! قالت: لبيك. فقال: اخرُجي، قد أقرضْتُهُ ربي -عزَّ وجلّ-. وفي رواية أنها قالت له: ربح بَيْعُكَ يا أبا الدَّحداح! ونَقَلت منه متاعَها وصِبيانَها].
وقد ثبت كذلك في صحيح الترمذي عن أنس قال: [لما نزلت هذه الآية ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢] أو ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ [الحديد: ١١]، قال أبو طلحة، وكان له حائط: يا رسول اللَّه حائطي للَّه، ولو استطعت أن أسِرَّه لم أعلنه، فقال: "اجعله في قرابتك، أو أقْرَبيك"].
الحديث الثالث: أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [ما مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبادُ فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدُهما: اللهم! أعْطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم! أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا] (٢).
ورواه ابن حبان في صحيحه بلفظ: [إنَّ مَلَكًا ببابٍ من أبواب الجنة يقول: مَنْ يُقْرِضِ اليوم يُجْزَ غدًا. ومَلَكٌ بباب آخر يقول: اللهم أعط منفقًا خلَفًا، وأعط ممسكًا
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح (١٤٤٢) - كتاب الزكاة، وأخرجه مسلم (١٠١٠) - كتاب الزكاة، باب في المنفق والممسك. ورواه الطبراني وابن حبان بلفظ مشابه. انظر صحيح الترغيب (١/ ٩٠٥) - كتاب الصدقات.