على قدر نوركم، فمنهم من يمر كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كشدِّ الرَّجل، يَرْمُلُ رَمَلًا، فيمرون على قدر أعمالهم، حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه، تخرُّ يدٌ، وتعلق يد، وتخرّ رجل وتعلق رجل، وتصيب جوانبه النار، فيخلصون فإذا خلصوا قالوا: الحمد للَّه الذي نجَّانا منك بعد أن أراناك، لقد أعطانا اللَّه ما لم يُعطَ أحدٌ) (١).
ويروي ابن جرير بسند مرسل جيد عن قتادة قال: (ذكر لنا أن نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن من المؤمنين من يضيء نوره كما بين المدينة وعدنٍ أو ما بين المدينة وصنعاء، ودون ذلك، حتى يكون منهم من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه") (٢).
وقوله: ﴿بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا﴾.
أي: ويقال لهم: بشراكم اليوم دخول جنات الخلود تجري من تحتها الأنهار، ماكثين فيها أبدًا ﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.
وقوله: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا﴾.
انظرونا: من النظر وهو الانتظار، أي: أمهلونا وأخرونا لنستضيء من نوركم. قال ابن عباس وأبو أمامة: (يغشى الناس يوم القيامة ظلمة، ثم يعطون نورًا يمشون فيه). وقال ابن عباس: (بينما الناس في ظلمة، إذ بعث اللَّه نورًا، فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه، وكان النور دليلًا من اللَّه إلى الجنة، فلما رأى المنافقون المؤمنين قد انطلقوا، تبعوهم، فأظلم اللَّه على المنافقين، فقالوا حينئذٍ: انظرونا نقتبس من نوركم، فإنا كنا معكم في الدنيا. قال المؤمنون: ارجعوا من حيث جئتم من الظلمة، فالتمسوا هنالك النور).
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عَبْدَة بن سُلَيمان، حدثنا ابن المبارك، حدثنا صفوان بن عمرو، حدثني سُلَيم بن عامر قال: (خرجنا على جنازة في باب دِمَشْقَ، ومعنا أبو أمامةَ الباهلي، فلما صُلِّيَ على الجنازة وأخذوا في دفنِها، قال أبو أمامة: أيها الناس! إنكم قد أصبحتُم وأمسيتُم في منزلٍ تَقتَسِمُون فيه الحسناتِ

(١) رواه الحاكم والبيهقي بطوله. ورواه ابن جرير في "التفسير" (٣٣٦١٦) - مختصرًا. وهو موقوف على ابن مسعود، ولكن مثل هذا التفصيل عادة يكون في حكم المرفوع.
(٢) مرسل. أخرجه الطبري (٣٣٦١٤) بسند جيد عن قتادة، وكرره (٣٣٦١٥) عنه به.


الصفحة التالية
Icon