والسيئات، وتُوشِكونَ أن تظعَنُوا منه إلى منزلٍ آخر، وهو هذا -يُشير إلى القبر- بيتِ الوحدةِ، وبيتِ الظلمةِ وبيتِ الدُّود، وبيتِ الضيق، إلا ما وسَّع اللَّه، ثم تنتقِلُون منه إلى مواطنِ يوم القيامة، فإنكم في بعض تلكَ المواطِن حين يغشى الناسَ أمرٌ من اللَّه، فَتَبْيَضُّ وجوه وتَسْوَدُّ وجوهٌ، ثم تنتقلون منه إلى منزلٍ آخرَ فتغشى الناسَ ظلمةٌ شديدةٌ، ثم يُقْسَمُ النورُ فيُعطى المؤمن نورًا، ويُتْرَكُ الكافرُ والمنافق فلا يُعْطيان شيئًا. وهو المثل الذي ضربه اللَّه في كتابه، قال: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ﴾.. إلى قوله: ﴿فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾، فلا يستضيء الكافر والمنافق بنور المؤمن كما لا يستضي الأعمى بنور البصير، ويقول المنافقون للذين آمنوا: ﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا﴾، وهي خدعة اللَّه التي خَدَعَ بها المنافقين حيث قال: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٢]. فيرجعون إلى المكان الذي قُسِم فيه النورُ، فلا يجدون شيئًا فينصرفون إليهم وقد ضُرِبَ بينهم بسور له بابٌ، ﴿بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾.. الآية. يقول سُلَيم بن عامر: فما يزال المنافق مغترًّا حتى يُقسم النُّور، ويُميِّز اللَّه بين المؤمن والمنافق) - ذكره ابن كثير.
وقوله: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ﴾. قال مجاهد: (كالحجاب في الأعراف). وقال قتادة: (السور: حائط بين الجنة والنار).
وقوله: ﴿بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ﴾. قال ابن زيد: (الجنة وما فيها). وقوله: ﴿وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾. قال قتادة: (أي النار). قال النسفي: (﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ﴾ بين المؤمنين والمنافقين ﴿بِسُورٍ﴾ بحائط حائك بين شق الجنة وشق النار. ﴿لَهُ﴾ لذلك السور ﴿بَابٌ﴾ لأهل الجنة يدخلون منه ﴿بَاطِنُهُ﴾ باطن السور أو الباب وهو الشق الذي يلي الجنة ﴿فِيهِ الرَّحْمَةُ﴾ أي: النور أو الجنة ﴿وَظَاهِرُهُ﴾ ما ظهر لأهل النار ﴿مِنْ قِبَلِهِ﴾ من عنده ومن جهته ﴿الْعَذَابُ﴾ أي: الظلمة أو النار).
وقوله: ﴿يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ﴾. أي: نشهد معكم الصلوات، ونحضر الجمعات، ونقف معكم بعرفات، ونسهم جميعًا بالغزوات؟ ! قال القرطبي: (أي ينادي المنافقون المؤمنين ﴿أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ﴾ في الدنيا، يعني نصلي مثل ما تصلون، ونغزو مثل ما تغزون، ونفعل مثل ما تفعلون).
وقوله: ﴿قَالُوا بَلَى﴾. أي: فأجابهم المؤمنون ﴿بَلَى﴾ قد كنتم معنا في الظاهر.
وقوله: ﴿وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾. قال مجاهد: (النفاق، وكان المنافقون مع