قال ابن القيم: (وكيف لا تكون فرقة واحدة قليلة جدًا غريبة بين اثنين وسبعين فرقة ذات أتباع ورئاسات، ومناصب وولايات، ولا يقوم لها سوق إلا بمخالفة ما جاء به الرسول؟ فإن نفس ما جاء به يضاد أهواءهم ولذاتهم وما هم عليه من الشبهات والبدع التي هي منتهى فضيلتهم وعملهم، والشهوات التي هي غاية مقاصدهم وإرادتهم؟ ).
وقوله: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾. أي: يحيي الأرض اليابسة بعد موتها بالمطر. وقال صالح المري: (المعنى يلين القلوب بعد قساوتها). وقال جعفر بن محمد: (يحييها بالعدل بعد الجور). وقيل: المعنى فكذلك يحيي الكافر بالهدى إلى الإيمان بعد موته بالكفر والضلالة. قال ابن كثير: (وقوله تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾: فيه إشارة إلى أنه -تعالى- يُلينُ القلوبَ بعد قسوتها، ويَهدِي الحَيَارى بعد ضَلَّتِها، ويُفَرِّجُ الكروب بعد شِدَّتِها، فكما يُحيي الأرض الميِّتة المُجْدبة الهامِدة بالغيث الهَتَّان، كذلك يَهدي القلوبَ القاسِية ببراهين القُرآن والدَّلائل، ويُولجُ إليها النُّور بعدما كانت مُقْفَلةً لا يَصِلُ إليها الواصِل، فسبحان الهادي لمن يشاء بعد الإضلال، والمُضِلّ لمن أراد بعد الكَمَال، الذي هو لما يشاءُ فَعَّالٌ، وهو الحَكَمُ العدلُ في جميع الفعَال، اللطيف الخبير الكبيرُ المتعال).
وقوله: ﴿قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾. قال القاسمي: (﴿قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ﴾ أي الحجج وضروب الأمثال ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ أي: لتثوبوا إلى عقولكم ومراشدكم).
١٨ - ١٩. قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١٩)﴾.
في هذه الآيات: ثناءُ اللَّه تعالى على المصدقين والمصدقات والوعد لهم بالأجر الكريم، وبيانُ أنَّ الصدق في الإيمان باللَّه ورسله يوصل إلى مرتبة الصديقين. والشهداء منازلهم خاصة بهم وأما الكفار فهم أصحاب الجحيم.
فقوله: ﴿إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ﴾. قال القرطبي: (أي المتصدقين والمتصدقات، فأدغِمت التاء في الصاد. قال: وهو حثٌّ على الصدقات).


الصفحة التالية
Icon