وقوله: ﴿وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾. قال الحسن: (كل ما في القرآن من القرض الحسن فهو التطوع). وقيل: هو العمل الصالح من الصدقة وغيرها محتسبًا صادقًا.
قلت: والأشهر أن القرض الحسن يكون في مفهوم النفقة والإعانة في سبيل اللَّه. قال ابن جرير: (﴿وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ يعني بالنفقة في سبيله، وفيما أمر بالنفقة فيه، أو فيما ندب إليه).
وقوله: ﴿يُضَاعَفُ لَهُمْ﴾. أي: يضاعف اللَّه لهم ثواب تلك القروض الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
أخرج الإمام أحمد بسند رجاله ثقات عن ابن مسعود أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إن السَّلف يجري مجرى شطر الصَّدَقة] (١). والسَّلَفُ: هو القرض الذي لا منفعة للمقرض فيه.
وأخرج ابن حبان بسند حسن في الشواهد عن الأسود بن يزيد عن عبد اللَّه بن مسعود مرفوعًا: [من أقرض مرتين كان له مثلُ أجر أحدهما لو تصدَّق به] (٢).
وقوله: ﴿وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾. أي: ولهم مآل كريم، ومستقر رفيع في الجنة.
وقوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾. فيه أقوال حسب تأويل موقع "الشهداء" من العطف أو الاستئناف.
١ - قال ابن عباس: (﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾ قال: هذه مفصولة ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾). وقال أبو الضُّحَا: (﴿أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾، ثم استأنف الكلام فقال: ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾).
٢ - قال مسروق، عن عبد اللَّه في قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ قال: (هم ثلاثة أصناف: يعني المصدِّقين، والصدّيقين، والشهداء).
٣ - قال مجاهد: (﴿هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ قال: بالإيمان على أنفسهم باللَّه). قيل: فأخبر عن المؤمنين باللَّه ورسله بأنهم صديقون وشهداء.

(١) أخرجه أحمد (١/ ٤١٢)، وأبو يعلى (٣/ ١٢٩٨)، ورجاله ثقات. انظر: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (١٥٥٣) - فضل القرض الحسن وأنه يعدل التصدق بنصفه.
(٢) أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (١١٥٥)، والطبراني في "المعجم الكبير" (٣/ ٦٨/ ١) بسند لا بأس به في المتابعات، وأخرجه ابن عدي (٢١٢/ ٢)، وغيرهم.


الصفحة التالية
Icon