الصفرة. قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: ثم ييبسُ ذلك النبات ﴿فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا﴾ بعد أن كان أخضر نضرًا).
وقوله: ﴿ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا﴾. أي: ثم يصير يابسًا متحطمًا. والمقصود: إنما مثل الحياة الدنيا كذلك: شباب فاكتهال فعجز وشيخوخة. فالشباب مليء بالجمال والقوة، والكهولة مرحلة متوسطة تنفدُ فيها بعض قوى الشباب وتتغير بعض الطباع، والشيخوخة ضعف في الهمة والحركة. كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ [الروم: ٥٤].
أخرج الحاكم والبيهقي بسند صحيح عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتكَ قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك] (١).
فإذا وهبك اللَّه عقلًا سديدًا فأشغله بالعلم والقرآن، وإذا وهبك قوة وسلامة في البدن والجوارح فبادر إلى الطاعات والصدقات والقيام، وخذ من الليل إن استطعت قبل أن لا تستطيع القيام، واعلم أن اللَّه قد يخذل من استطاع وضيَّعَ العمر باللهو وارتكاب الحرام، فلا يوفقه للنطق بالشهادة عند الاحتضار في لحظات الختام، ويحرمه من لذة النظر إلى وجهه يوم القيامة كما يحرمه نعمة الأمن هناك والأمان.
كما خرَّج البخاري في صحيحه من حديث جرير رضي اللَّه عنه قال: [كنا عند النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فنظر إلى القمر ليلة فقال: إنكم سترون ربَّكم، كما ترون هذا القمر، لا تُضَامونَ في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تُغْلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا. ثم قرأ: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾ [ق: ٣٩]] (٢).
وقوله: ﴿وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ﴾. قال قتادة: (صار الناس إلى هذين الحرفين في الآخرة). أي: ليس في الآخرة إلا هذا أو هذا: عذاب شديد مهين، أو مغفرة ورضوان ونعيم مقيم.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٥٥٤) - كتاب مواقيت الصلاة. باب فضل صلاة العصر.