وقوله: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾. قال القرطبي: (هذا تأكيد ما سبق، أي تغرّ الكفار، فأما المؤمن فالدنيا له متاع بلاغ إلى الجنة. وقيل: العمل للحياة الدنيا متاع الغرور تزهيدًا في العمل للدنيا، وترغيبًا في العمل للآخرة).
وفي صحيح مسلم من حديث المستورد بن شداد قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [واللَّه! ما الدنيا في الآخرة إلا مِثْلُ ما يَجْعَلُ أحدكُم إِصْبَعَهُ هذه -وأشار يحيى بالسّبابة- في اليَمّ، فينظر أحدُكم بِمَ تَرْجِعُ؟ ] (١).
وقوله: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾. حثٌّ على المبادرة إلى الخيرات، وفعل الطاعات وترك المحرمات، وما يكون فيه غفران الزلات والعثرات.
وقوله: ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾. قال السدي: (كعرض سبع السماوات وسبع الأرضين). وقال الحسن: (يعني جميع السماوات والأرضين مبسوطتان كل واحدة إلى صاحبتها). قلت: والعرض أقل من الطول، ومن عادة العرب التعبير عن سعة الشيء بعرضه دون طوله، ومنْ ثمّ فإذا كان عرض جنة النعيم بهذه السعة فتأمّل كيف يكون مقدار طولها! ! وتفسير الحسن والسدي منسجم مع الآية الأخرى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٣].
وقوله: ﴿أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾. أي: هي قد خُصِّصَت لأهل الصدق في الإيمان، ومتابعة الرسل عليهم الصلاة والسلام. والآية دليل على أنها مخلوقة.
وقوله: ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ﴾. قال النسفي: (وهم المؤمنون، وفيه دليل على أنه لا يدخل أحدٌ الجنة إلا بفضل اللَّه).
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: [إنّ فقراءَ المهاجرين أتوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالوا: قد ذهب أهل الدُّثور (٢) بالدرجات العُلا، والنعيم المقيم. فقال: وما ذاك؟ قالوا: يصلونَ كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويُعتقون ولا نُعتقُ. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أفلا أُعلّمكم شيئًا تُدركون به من سبقكم، وتسبقون به مَنْ بَعدكم، ولا يكونُ أحدٌ أفضلَ مِنكم، إلا مَنْ صنعَ مثلَ ما صنعتُم؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه! قال: تُسبِّحون، وتكبِّرون، وتحمدون دُبُرَ كل صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين مرّة.
(٢) الدثور: جمع دَثْر، وهو المال الكثير.