عند النعمة). وقال: (ليس من أحد إلا وهو يحزن ويفرح، ولكن المؤمن يجعل مصيبته صبرًا، وغنيمته شكرًا). وقال ابن زيد: (لا تأسوا على ما فاتكم من الدنيا، ولا تفرحوا بما آتاكم منها). وقال سعيد بن جبير: (﴿وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾: من العافية والخصب).
وقراءة العامة ﴿آتَاكُمْ﴾ أي: أعطاكم من الدنيا، وقرأ أبو العالية ونصر بن عاصم وأبو عمرو ﴿آتَاكُمْ﴾ أي: جاءكم. وهما قراءتان صحيحتان، والمدّ أشهر، واختاره ابن جرير.
وخلاص المعنى: المؤمن يوقن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فهو يتقلب بين منزلتي الصبر والشكر، ويعلم أنّ اللَّه قد فَرَغ من كتابة كل شيء وَعَلِمَهُ.
أخرج الإمام أحمد في المسند، والترمذي في الجامع، بسند صحيح عن عبادة بن الوليد بن عبادة قال: [حدثني أبي قال: دخلت على عبادة وهو مريض أتخايل فيه الموت، فقلت: يا أبتاه أوصني واجتهد لي، فقال: أجلسوني، فلما أجلسوه قال: يا بني إنك لم تطعم الإيمان ولم تبلغ حق حقيقة العلم باللَّه حتى تؤمن بالقدر خيره وشره. قلت: يا أبتاه وكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره؟ قال: تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، يا بني إني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: إن أوَّلَ ما خلقَ اللَّه القلم، ثم قال له: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة. يا بني إن مت ولست على ذلك دَخلت النار] (١).
وقوله: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾. أي: لا تتخذوا نعمة اللَّه عليكم أشرًا وبطرًا، تفخرون بها على الناس. قال القرطبي: (والحزن والفرح المنهيّ عنهما هما اللذان يتعدّى فيهما إلى ما لا يجوز، قال اللَّه تعالى: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ أي متكبّر بما أوتي من الدنيا، فخور به على الناس).
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾ [الإسراء: ٣٧].

(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (٥/ ٣١٧)، والترمذي في "التفسير" (٢/ ٢٣٢).


الصفحة التالية
Icon