٢ - وقال تعالى -في وصية لقمان لابنه-: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [لقمان: ١٨].
وفي الصحيحين عن حارثة بن وهب قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: [ألا أخبركم بأهل النار؟ كلّ عُتُلٍّ جوّاظ مستكبر] (١).
وفي الصحيحين أيضًا من حديث أبي هريرة، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [بينما رجل يمشي في حلّة تُعْجِبُهُ نفسُه، مُرَجِّلٌ رأسَه، يختال في مِشْيَتهِ، إذ خسف اللَّه به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة] (٢).
وقوله: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾. قال سعيد بن جبير: (﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾ يعني بالعلم ﴿وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ أي: بألا يعلِّموا الناس شيئًا). وقال زيد بن أسلم. (إنه البخل بأداء حق اللَّه عز وجل). وقيل: إنه البخل بالصدقة والحقوق -قاله: عامر بن عبد اللَّه الأشعري-. وقال طوس: (إنه البخل بما فيه يديه).
وهذه الأقوال متقاربة في المعنى. والمقصودُ: ذمّ الذين يفعلون المنكر ويحضّون عليه.
قال النسفى: (﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾ خبر مبتدأ محذوف، أو بدل من ﴿كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور﴾ كأنه قال: لا يحب الذين يبخلون -يريد الذين يفرحون الفرح المطغي إذا رزقوا مالًا وحظًا من الدنيا، فلحبّهم له وعزّته عندهم يزوونه عن حقوق اللَّه ويبخلون به- ﴿وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾: ويحضون غيرهم على البخل ويرغبونهم في الإمساك).
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (١٠) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى﴾ [الليل: ٨ - ١١].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [التغابن: ١٦].
وفي صحيح مسلم عن جابر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [اتقوا الظلم، فإن الظلم

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاوي (٨/ ٥٠٧ - ٥٠٨)، (١٠/ ٤٠٨)، ومسلم (٢٨٥٣).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (١٠/ ٢٢١)، (١٠/ ٢٢٢)، وأخرجه مسلم (٢٠٨٨).


الصفحة التالية
Icon