عليه، فبه يتميز الحق من الباطل، وبه تقاس الأمور وتُحاكَم، وبه يُنْصَف المظلوم.
وفي التنزيل: ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (٧) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾ [الرحمن: ٧ - ٩].
وفي صحيح مسلم عن جابر، أنّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشّح فإن الشّح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم] (١).
وفيه أيضًا من حديث أبي هريرة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يُقادَ للشاة الجلحاء من الشاة القرناء] (٢).
وقوله: ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾. أي: ليعمل الناس بينهم بالعدل - في معاملاتهم وعلاقاتهم، وليُحَكِّمُوا الشرع الحنيف الذي يقوم على الحق والعدل.
وقوله: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ﴾.
الحديد يُخلق في المعادن، والمعادن إنما تكون في الجبال، فالحديد ينزله اللَّه من معادنه التي في الجبال، لينتفع به بنو آدم.
وقوله: ﴿فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾. يعني فيه قوة شديدة. قال ابن تيمية: (أخبر أنه أنزل الحديد، فكان المقصود الأكبر بذكر الحديد هو اتخاذ آلات الجهاد منه، الذي به يُنْصر اللَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-).
فائدة: الجمع في الآية بين الكتاب والميزان والحديد منسجم غاية الانسجام، فالكتاب فيه الوحي العظيم، الذي يضمن لمن اهتدى بهديه سعادة الدارين. والميزان فيه قواعد الشريعة وأصول الحكم ورفع المظالم والفصل بين المتخاصمين. والحديد فيه ردعٌ لمن اختار الفساد والباطل والظلم، فيكون في بأسه وقوته حراسة للحق والعدل والدين.
أخرج الإمام أحمد بسند حسن عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [بُعثت بين يدي الساعةِ بالسيف، حتى يُعبَد اللَّه وحده لا شريك له، وَجُعل رزقي

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم في صحيحه -حديث رقم- (٢٥٧٨) - كتاب البر والصلة.
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم -حديث رقم- (٢٥٨٢) - الباب السابق. والجلحاء: التي لا قرن لها.


الصفحة التالية
Icon