القيام. وهذا ذمٌّ لهم من وجهين، أحدهما: في الابتداع في دين اللَّه ما لم يَأمُر به اللَّه. والثاني: في عدم قيامهم بما التزمُوه مما زعموا أنه قُرْبَةٌ يُقَرِّبهم إلى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ).
قلت: فالآية دليل على ذم الابتداع في الدين، حتى في أمم الأقدمين، فإن الإحداث في الدين واختراع الطرق في العبادة خروج عن منهاج النبوة واتهامٌ لدين اللَّه بالنقص وفتح لباب الهوى. وكان ابن مسعود يقول: (اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم).
وفي التنزيل الحكيم:
١ - قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧].
٢ - وقال تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ [النساء: ٨٠].
وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت: [صَنَعَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرًا فتَرَخَّصَ فيه، فبلغَ ذلك ناسًا من أصحابه، فكأنهم كَرِهوه وتَنَزَّهوا عنه، فبلغَهُ ذلك، فقام خطيبًا فقال: ما بالُ رجالٍ بَلَغهُم عني أمرٌ تَرَخَّصْتُ فيه، فكرهوه وتنزهوا عنه، فواللَّه! لأنا أعلمهم باللَّه وأشدُّهُم له خَشْيةً] (١).
وذكر الإمام الشاطبي في "الاعتصام": (أن الزبير بن بكار قال: سمعت مالكًا بن أنس -وأتاه رجل فقال: يا أبا عبد اللَّه من أين أحرم؟ - قال: من ذي الحليفة حيث أحرم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد. فقال: لا تفعل. قال: فإني أريد أن أُحْرِمَ من المسجد من عند القبر. قال: لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة. فقال: وأي فتنة هذه؟ إنما هي أميال أزيدها، قال الإمام مالك: وأيّ فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصّر عنها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، إني سمعت اللَّه يقول: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: ٦٣]).
وصح عن الشافعي أنه قال: (ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وتعزب عنه، فمهما قلت من قول، أو أصَّلْتُ من أصل، فيه عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خلافُ ما قلتُ، فالقولُ ما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو قولي) (٢).
(٢) رواه الحاكم بسنده المتصل إلى الشافعي. وانظر كذلك: ابن عساكر (١٥/ ١/ ٢).