وذكر ابن عبد البر في "الانتقاء" (ص ١٤٥) قول أبي حنيفة: (حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي، فإننا بشر، نقول القول اليوم ونرجع عنه غدًا). وكان يقول: (إذا صحّ الحديث فهو مذهبي) (١).
ومضى على ذلك المنهاج الأصيل الإمام أحمد بن حنبل وكان يقول: (لا تقلدني ولا تقلد مالكًا ولا أبا حنيفة ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري رحمهم اللَّه تعالى، وخذ من حيث أخذوا، من قلة فقه الرجل أن يقلد دينه الرجال) (٢).
وأما "الرهبانية" فهي في مفهومها الصحيح عكس ما في أذهان جهلة الزهاد والعباد، إنها الجهاد في سبيل اللَّه، وقد صحّ في ذلك الخبر عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
فقد أخرج الإمام أحمد بسند حسن عن أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه: [أنّ رجلًا جاءه فقال: أوصني. فقال: سألتَ عما سألتُ عنه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من قبلك، أوصيك بتقوى اللَّه تعالى فإنه رأسُ كلِّ شيء، وعليكَ بالجهاد، فإنه رهبانيَّةُ الإسلام، وعليك بذكر اللَّه تعالى، وتلاوة القرآنِ، فإنه رَوْحُكَ في السماء، وذِكرُك في الأرض] (٣).
وله شاهد عنده من حديث أنس بلفظ: [لكل نبي رهبانية، ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل اللَّه].
وقوله: ﴿فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ﴾. قال ابن زيد: (الذين رعوا ذلك الحق).
وقوله: ﴿وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾. أي. وكثير منهم مبتدع في الدين، خارج عن طاعة اللَّه وطاعة رسوله، منقاد وراء الأهواء والشهوات.
٢٨ - ٢٩. قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨) لِئَلَّا
(٢) انظر: ابن القيم في "أعلام الموقعين" (٢/ ٣٠٢)، والمرجع السابق ص (١٨).
(٣) حديث حسن. أخرجه أحمد (٣/ ٨٢)، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (٥٥٥). وانظر للشاهد بعده مسند أحمد (٣/ ٢٦٦)، ومسند أبي يعلى (٤٢٠٤).