يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩)}.
في هذه الآيات: أمْرُ اللَّه تعالى عباده المؤمنين أن يَصْدُقوهُ التقوى والإيمان، ومتابعة رسوله عليه الصلاة والسلام، فإن الفضل كله بيد اللَّه وهو ولي الأتقياء الكرام.
فقوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ﴾ في توجيهه تأويلان:
التأويل الأول: قيل الخطاب لمؤمني أهل الكتاب. قال ابن عباس: (﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ﴾ يعني الذين آمنوا من أهل الكتاب). واختاره ابن جرير.
التأويل الثاني: قيل بل الظاهر أن لفظ الآية أعم، وأن المقصود بها حثّ كل من آمن بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على الثبات في الإيمان والرسوخ فيه، والانصياع لأوامره.
وهذا التأويل أرجح عندي وأشمل، وقد اختاره العلامة القاسمي رحمه اللَّه، وقال: (ومنه ما حرض عليه في الآيات قبلها من الإنفاق في سبيله، وسخاوة النفس فيه. وأنّ لهم في مقابلة ذلك أجرًا وافرًا، كما قال في أول السورة: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ فآخر السورة، فيه رجوع لأوائلها بتذكير ما أمرت به، وما سبق نزولها لأجله).
وقوله: ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾. أي: يؤتكم نصيبين من الأجر والثواب.
وأصل الكفل: الحَظّ، وأصله ما يكتفل به الراكب فيحبسه ويحفظه عن السقوط.
وفي توجيهه كذلك تأويلان: التأويل الأول: الضمير في ﴿يُؤْتِكُمْ﴾ يعود على مؤمني أهل الكتاب.
قال ابن عباس: (﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ قال: أجرين، لإيمانهم بعيسى -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتصديقهم بالتوراة والإنجيل، وإيمانهم بمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتصديقهم به). وقال أيضًا: (﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ﴾ قال: ضعفين). فوجّه ابن عباس الآية هنا إلى مؤمني أهل الكتاب الذين صدقوا محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- وتابعوه، وهذا تفسير سالك مؤيد بالأحاديث الصحيحة، منها:
الحديث الأول: روى مسلم في صحيحه عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه وآمن بي،


الصفحة التالية
Icon