وقوله: ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ﴾.
هو ضلال الإهمال والترك والتناسي والخذلان. فإن الضلال له مراتب ثلاث:
المرتبة الأولى: الضياع والانحراف.
المرتبة الثانية: الترك والإهمال والخذلان.
المرتبة الثالثة: الهداية إلى النار يوم القيامة.
فإن الإعراض عن منهج الرسل والغور في البعد عن اللَّه، والتطاول بالرأي والادعاء والغرور مآله الخذلان من اللَّه، ليزداد ضياعًا إلى الضياع والإهمال.
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف: ٥].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [الحشر: ١٩].
٣ - وقال تعالى: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ [غافر: ٣٥].
وفي صحيح مسلم عن حذيفة رضي اللَّه عنه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتةٌ سوداء، وأيُّ قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مُرْبدًا كالكوز مُجَخِّيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه] (١).
والمقصود بالآية: كذلك -يا محمد- يصد اللَّه عن إصابة الحق وقصد السبيل من هو مسرف بالإثم والكفر مرتاب في قلبه.
وقوله: ﴿الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾.
﴿الَّذِينَ﴾ في محل نصب بدل من "مَنْ". والتقدير: كذلك يضل اللَّه الذين يجادلون في آياته ويدفعون الحجج بغير دليل، وإنما بدافع الهوى وفاسد التأويل. لقد كبر ذلك الجدال مقتًا عند اللَّه وعند المؤمنين.