أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن عقبة بن عامر الجهني قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: [هلاكُ أمتي في الكتاب واللَّبن. قالوا: يا رسول اللَّه ما الكتابُ واللَّبن؟ قال: يتعلمون القرآن فيتأولونه على غيرِ ما أنزل اللَّهُ عز وجل، ويحبون اللَّبن فيدعون الجماعات والجمع، ويَبْدون] (١).
وقوله: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾. قال القاسمي: (أي بطر للحق، لا يقبل الحجة. جبار في المجادلة. ألدّ فيصدر عنه أمثال ما ذكر، من الإسراف والارتياب والمجادلة في الباطل لطمس بصيرته، فلا يكاد يظهر له الحق).
وقرأ أبو عمرو بن العلاء: ﴿عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ﴾. وأما عامة القراء: ﴿عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ وهي القراءة الأَوْلى.
والطبع هو الختم. قال مجاهد: (ثبتت الذنوب على القلب فحفّت به من كل نواحيه حتى تلتقي عليه، فالتقاؤها عليه الطبع، والطبع الختم).
وقوله: ﴿جَبَّارٍ﴾ أي متعظم عن اتباع الحق، متكبر على اللَّه، مشتهر بالجرائم والموبقات. قال قتادة: (آية الجبابرة القتلُ بغير حق).
٣٧ - ٣٦. قوله تعالى: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (٣٧)﴾
في هذه الآيات: إخبارُ اللَّه تعالى عن عتو فرعون وتماديه في الكفر، ومساعدة هامان له في تثبيت سلطانه الفاسد، وما كيد فرعون إلا في ضلال وخسار.
فقوله: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا﴾. الصرح: هو القصر العالي المُنيف الشاهق. قال القرطبي: (لما قال مؤمن آل فرعون ما قال، وخاف فرعون أن يتمكن كلام هذا المؤمن في قلوب القوم، أوهم أنه يمتحن ما جاء به موسى من التوحيد، فإن