بان له صوابه لم يخفهِ عنهم، وإن لم يصح ثبتهم على دينهم، فأمر وزيره هامان ببناء الصرح).
وقوله: ﴿لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ﴾.
قال ابن عباس: (مَنْزِلُ السماء). وقال قتادة: (أبواب السماوات). وقال السدي: (طرق السماوات). وقيل: الأمور التي تستمسك بها السماوات. قال ابن جرير: (السبب هو كل ما تُسُبِّبَ به إلى الوصول إلى ما يطلب من حبل وسلم وطريق وغير ذلك). ثم قال: (معناه: لعلي أبلغ من أسباب السماوات أسبابًا أتسبب بها إلى رؤية إله موسى، طرقًا كانت تلك الأسباب منها أو أبوابًا أو منازل أو غير ذلك).
وقيل: كرر "أسباب" للتفخيم، فإن الشيء إذا أبهم ثم أوضح كان تفخيمًا لشأنه. والمقصود: أراد فرعون أن يعظم بذلك شأنه وكرسيه الذي يتزلزل.
وقوله: ﴿فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا﴾.
قال الإمام الجويني أبو محمد والد إمام الحرمين: (وهذا يدل على أن موسى أخبره بان ربه تعالى فوق السماء، ولهذا قال: ﴿وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا﴾) (١).
قال ابن جرير: (أي: وإني لأظن موسى كاذبًا فيما يقول ويدعي من أن له في السماء ربًا أرسله إلينا).
قلت: ومن ثم فمن شك أن اللَّه في السماء اليوم، فقد تشبه بطريقة فرعون. وفي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: ١٠].
٢ - وقال تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: ٥].
٣ - وقال تعالى: ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ﴾ [الملك: ١٦].
وفي صحيح مسلم من حديث جابر -في خطبته -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم عرفة-: [ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. فجعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكتها إليهم ويقول: اللهم اشهد. وفي

(١) انظر: "مختصر العلو" ص (٨٠)، وكتابي: أصل الدين والإيمان (١/ ١٧٣ - ١٧٥) لتفصيل البحث.


الصفحة التالية
Icon