يَوْمِهم حتى غابت الشَّمْسُ واستكمَلُوا أجْرَ الفريقين كِليهما، فذلك مَثَلُهُم ومثلُ ما قَبِلوا من هذا النُّور] (١).
الحديث الثاني: أخرج أحمد والبخاري والترمذي عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [مَثَلُكُم ومثلُ اليهودِ والنصارى كمثلِ رَجُلٍ استعملَ عُمّالًا، فقال: مَنْ يعملُ لي من صلاة الصبح إلى نصف النهار على قيراطٍ قيراطٍ؟ ألا فعملت اليهودُ. ثم قال: مَن يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراطٍ قيراطٍ؟ ألا فعملت النصارى. ثم قال: من يعمَلُ لي من صلاة العصر إلى غروب الشمس على قيراطين قيراطين؟ ألا فأنتم الذين عملتم. فغضبت النصارى واليهودُ، وقالوا: نحن أكثرُ عملًا وأقلُّ عطاءً. قال: هل ظلمتكم من أجركم شيئًا؟ قالوا: لا. قال: فإنما هو فَضْلي أُوتيه من أشاء] (٢).
وقوله: ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾. قال ابن عباس: (الفرقان، واتباعهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-). وقال سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ قال: القرآن). وعن مجاهد: (﴿تَمْشُونَ بِهِ﴾ قال: هدى). قال القاسمي: ("النور" هو ما يبصر من عمى الجهالة والضلالة، ويكشف الحق لقاصده، كما قال سبحانه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الأنفال: ٢٩]).
وقوله: ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. أي: ويصفح لكم عن ذنوبكم فيسترها عليكم واللَّه واسع المغفرة والرحمة.
وقوله: ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾.
قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- من أهل الكتاب: يفعل بكم ربكم هذا لكي يعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من فضل اللَّه الذي آتاكم وخصّكم به. لأنهم كانوا يرون أن اللَّه قد فضَّلهم على جميع الخلق، فأعلمهم اللَّه جل ثناؤه أنه قد آتى أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- من الفضل والكرامة ما لم يؤتهم). وقال القرطبي: (﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾ أي: ليعلم، و"أن لا" صلة زائدة مؤكدة، قاله الأخفش.

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٥٥٨) - كتاب مواقيت الصلاة. وكذلك (٢٢٧١) - كتاب الإجارة.
(٢) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (٢/ ٦)، والبخاري في الصحيح (٣٤٥٩)، والترمذي في الجامع (٢٨٧١)، وابن حبان في صحيحه (٦٦٣٩).


الصفحة التالية
Icon