وقوله: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ﴾. تكرار العبارة لبيان حكم الظهار، بعد بيان أنه منكر وزور.
وقوله: ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾، أي: ثم يعودون لنقض ما قالوا أو لتداركه -على حذف المضاف-. أو: ثم يعودون لتحليل ما حرّموا على أنفسهم. واختلف المفسرون بماذا يحصل النقض على أقوال:
١ - قال أحمد بن حنبل: (هو أن يعود إلى الجماع، أو يعزم عليه، فلا يَحِلُّ له حتى يكفِّرَ بهذه الكفّارة).
٢ - وقال أبو حنيفة: (هو أن يعود إلى الظهار بعد تحريمه، ورُفِعَ ما كان عليه أمر الجاهلية، فمتى ظاهر الرجل من امرأته فقد حرّمها تحريمًا لا يرفعه إلا الكفّارة).
٣ - وقال الشافعي: (هو أن يُمسِكها بعد الظهار زمانًا يمكنه أن يطلِّق فيه فلا يُطَلِّق).
٤ - وحُكي عن مالك: (أنه العزم على الجماع والإمساك)، وعنه: (أنه الجماع).
٥ - وقال سعيد بن جبير: (﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾، يعني: يُريدون أن يعودوا في الجماع الذي حرّموه على أنفسهم). وقال الحسن البصري: (يعني الغِشْيَانَ في الفَرْج). وكان لا يرى بأسًا أن يغشى فيما دون الفرج قبل أن يُكفرِّ.
٦ - قال بُكير بن الأشج: (العودُ هو أن يعود إلى لفظ الظهار فيكرّره).
قلت: أما قول بكير فباطل -كما قال ابن العربي وغيره- ولا دليل عليه في أصل هذا التشريع من السنة الصحيحة في القصص الواردة في الظهار. وقول الشافعي بعيد عن مفهوم السياق، ويبقى مفهوم العَوْدِ يدل عليه ما بعده -وهو إيجاب الكفارة- فيكون المقصود: الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون فيما ذهبوا إليه، فيعزمون على غشيانهن ووطئهن رغبة في تحليلهن بعد تحريمهن، فلا بد من الكفارة.
ففي سنن أبي داود بإسناد صحيح عن عكرمة: [أنّ رجلًا ظَاهر من امرأته، ثم واقعها قيل أن يُكَفِّرَ، فأتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبره، فقال: "ما حملك على ما صنعت"؟ قال: رأيت بياض ساقها في القمر، قال: "فاعتزلها حتى تكفّر عنك"] (١).
وقوله: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾. أي: فإعتاق رقبة (٢) كاملة، من قبل
(٢) قال ابن كثير: (فهاهنا الرقبة مطلقةٌ غير مقيدة بالإيمان، وفي كفارة القتل مقيدة بالإيمان).