بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٠)}.
في هذه الآيات: ذمُّ أهل الكتاب الذين يتغامزون عند رؤية المؤمنين، وتوعّد اللَّه لهم عذاب الهون في نار الجحيم. وأمْرُه تعالى المؤمنين التناجي بالبر والتقوى لا بالإثم والعدوان، فإن النجوى من مكر الشيطان، ليفَرِّق بذلك بين المؤمنين، وليس بضارهم شيئًا إلا بإذن اللَّه العظيم.
فقوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ﴾. قال مجاهد: (﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى﴾ قال: اليهود). قال النسفي: (كانت اليهود والمنافقون يتناجون فيما بينهم ويتغامزون بأعينهم إذا رأوا المؤمنين، ويريدون أن يغيظوهم ويوهموهم في نجواهم وتغامزهم أن غزاتهم غلبوا، وأن أقاربهم قتلوا، فنهاهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فعادوا لمثل فعلهم وكان تناجيهم بما هو إثم وعدوان وتواص بمعصية الرسول ومخالفته).
وقوله: ﴿وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ﴾ الآية.
أخرج الإمام أحمد في المسند، وكذلك البزار، والطبراني في المعجم؛ بإسناد جيد عن عبد اللَّه بن عمرو: [أنّ اليهود كانوا يقولون لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: سامٌ عليك، ثم يقولون في أنفسهم: لولا يعذبنا اللَّه بما نقول فنزلت هذه الآية: ﴿وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾] (١).
وفي صحيح مسلم عن الأعمش، عن مُسْلم، عن مسروقٍ، عن عائشة قالت: [أتى النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أُناسٌ من اليهود، فقالوا: السَّامُ عليكَ، يا أبا القاسم! قال: "وعليكم". قالت عائشة: قلتُ: بَلْ عَلَيْكُم السَّامُ والذَّامُ. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يا عائشةُ! لا تكوني فاحِشة. فقالت: ما سَمعْتَ ما قالوا؟ فقال: أوليسَ قد رَدَدْتُ عليهم الذي قالوا؟ قلْتُ: وعَلَيْكمُ] (٢).
وفي رواية: [ففطنت بهم عائشة فَسَبَّتْهُمْ، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَهْ، يا عائشةُ!
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم في صحيحه (٢١٦٥) ح (١١)، كتاب السلام. باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام، وكيف يرد عليهم.