فإن اللَّه لا يُحِبّ الفُحْشَ والتَفَحُّشَ" - وزاد فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ...﴾ إلى آخر الآية].
وفي صحيح البخاري ومسلم -واللفظ له- عن جابر قال: [سَلَّمَ ناسٌ من يَهود على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالوا: السَّامُ عليكَ، يا أبا القاسم! فقال: "وعليكم". فقالت عائشة، وغضبت: ألَمْ تَسْمَع ما قالوا؟ قال: بلى، قَدْ سَمِعْتُ، فَرَدَدْتُ عليهم، وإنّا نُجَابُ عليهم ولا يُجَابون عَلينا] (١).
قال ابن كثير: (وقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ﴾، أي: يفعلون هذا، ويقولون ما يُحرَّفون من الكلام وإيهام السلام، وإنما هو شَتْمٌ في الباطن، ومع هذا يقولون في أنفسهم: لو كان هذا نبيًا لعذَّبنا اللَّه بما نقول له في الباطن، لأن اللَّه يعلم ما نُسِرُّه، فلو كان هذا نبيًا حقًا لأوشك أن يُعَاجلَنا اللَّه بالعقوبة في الدنيا، فقال اللَّه تعالى: ﴿حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ﴾، أي: جهنم كفايتهم في الدار الآخرة، ﴿يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾).
وقوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ﴾.
تَأديبٌ من اللَّه تعالى عباده المؤمنين، بمخالفة طريقة الكفرة والمنافقين، فإذا تناجوا فلا يتشبهوا باليهود والمنافقين في تناجيهم بالشر.
وقوله: ﴿وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾. أي: وتناجوا بالطاعة وبالعفاف عما نهى اللَّه عنه.
وقوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾. أي: وخافوا اللَّه الذي إليه تجمعون في الآخرة، فعظموه حق التعظيم بامتثال دينه والتحاكم إليه.
وقوله: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾. أي: إنما النجوى -وهي المسارَّة التي يظن المؤمن منها السوء- من تزيين الشيطان وتسويله، لِيُسيءَ إلى المؤمنين ويمزّق الأخوة التي تربطهم.

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٦٤٠١)، ومسلم (٢١٦٦)، وكذلك (٢١٦٥) نحوه.
وله شاهد عند الترمذي عن قتادة: [أخبرنا أنس بن مالك أن يهوديًا أتى على نبي اللَّه وأصحابه فقال: السلام عليكم، فرد عليه القوم، فقال نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: هل تدرون ما قال هذا؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم، سلم يا نبي اللَّه، قال: لا، ولكنه قال: كذا وكذا رُدّوه عليَّ، فردوه فقال: قلت: السام عليكم؟ قال نعم، قال نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عند ذلك. إذا سلم عليكم أحدٌ من أهل الكتاب فقولوا عليك ما قلت. قال: ﴿وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ﴾]. صحيح سنن الترمذي (٢٦٢٩).


الصفحة التالية
Icon