قال ابن كثير: (وذلك أن الجزاء من جنس العمل، كما جاء في الحديث الصحيح:
"من بنى للَّه مسجدًا بنى اللَّه له بيتًا في الجنة". وفي الحديث الآخر: "من يَسَّرَ على مُعْسِر يَسَّر اللَّه عليه في الدنيا والآخرة، واللَّه فى عون العبد ما كان العبد في عون أخيه". ولهذا أشباه كثيرة، ولهذا قال: ﴿فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ﴾).
قال قتادة: (نزلَت هذه الآيةُ في مجالس الذكر، وذلك أنهم كانوا إذا رأوا أحدَهم مُقْبِلًا ضَنُّوا بمجالسهم عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمرهم اللَّه أن يَفْسَحَ بعضُهم لبعض).
أخرج البخاري في صحيحه عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [لا يُقيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِه ثم يَجْلِسُ فيه] (١).
ورواه بنحوه في - كتاب الجمعة - من صحيحه عن ابن جُرَيج عن نافع قال: سمعت ابنَ عمر رضي اللَّه عنهما يقول: [نهى النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يقيم الرجلُ الرجلَ مِنْ مَقْعَدِه ويَجْلِسَ فيه. قلت لنافع: الجمعةَ؟ قال: الجْمُعَةَ وغيرَها] (٢).
وله شاهد عنده في كتاب الاستئذان عن نافع -أيضًا- عن ابن عمر عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: [أنه نهى أن يُقامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ويَجْلِسَ فيه آخر، ولكن تَفَسَّحُوا وتوسَّعوا، وكان ابن عمر يكرهُ أن يقومَ الرجلُ من مَجْلِسِه ثم يُجْلسَ مكانَهُ] (٣).
وفي مسند الإمام أحمد بإسناد حسن، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [لا يُقمِ الرجلُ الرجلَ من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن افسحوا يفسَحِ اللَّه لكم] (٤).
وفي لفظ: [لا يقوم الرجل للرجل من مجلسه، ولكن افسحوا يَفْسَحِ اللَّه لكم].
وقوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا﴾. النشز: الارتفاع، وأصله من نشز الأرض وهو ارتفاعها. قال النحاس: (النَّشز هو ما ارتفع من الأرض وتنحى). ونشزَ الرجل إذا انتحى من موضعه، وامرأة ناشز أي منتحية عن زوجها.
فالمعنى: إذا قيل لكم ﴿انْشُزُوا﴾ عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ﴿فَانْشُزُوا﴾ -أي انهضوا فإنه له
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح -حديث رقم- (٩١١) - كتاب الجمعة، باب: لا يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد مكانه.
(٣) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٦٢٧٠) - كتاب الاستئذان. عند ذكر آية المجادلة (١١).
(٤) حديث حسن. أخرجه أحمد (٢/ ٣٣٨) بإسناد حسن. وكذلك (٢/ ٤٨٣) للفظ الآخر.