اليهود، كقوله: ﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ﴾).
وقوله: ﴿وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾. أي ويقولون واللَّه إنا المسلمون لا منافقون، وهم يعلمون في حقيقة الأمر أنهم كاذبون منافقون.
أخرج الإمام أحمد في المسند، والإمام ابن جرير في "التفسير" بسند رجاله رجال الصحيح عن ابن عباس قال: [قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يدخل عليكم رجل ينظر بعين شيطان أو بعيني شيطان. قال: فدخل رجل أزرق، فقال: يا محمد، علام سبببتني أو شتمتني أو نحو هذا. قال: وجعل يحلف. قال: ونزلت هذه الآية في المجادلة: ﴿وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ والآية الأخرى] (١). وفي رواية: أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- هو الذي قال له: علام تشتمني أنت وأصحابك.
فقد أخرج أحمد والحاكم بإسناد على شرط مسلم عن سعيد بن جبير، أن ابن عباس حدّثه: [أنّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان في ظل حُجْرَةِ من حُجَرِه، وعنده نَفَرٌ من المسلمين قد كاد يَقْلِصُ عنئهم الظلُّ، قال: "إنه سيأتيكم إنسان ينظُرُ بعيني شيطان، فإذا أتاكَم فلا تكلّموه". فجاء رجلٌ أزرق، فدعاه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فَكَلَّمَهُ، فقال: علام تشتمني أنت وفلان وفلان؟ " -نَفرٌ دعاهم بأسمائهم- قال: فانطلق الرجل فدعاهم، فحلفوا له واعتذروا إليه، قال: فأنزل اللَّه عز وجل: ﴿فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾] (٢).
وقوله تعالى: ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
قال ابن كثير: (أي: أرصَد اللَّه لهم على هذا الصنيع العذاب الأليمَ على أعمالهم السيئة، وهي موالاة الكافرين ونُصْحِهم، ومُعاداةُ المؤمنين وغِشِّهم).
وقوله: ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾. أي: اتقوا بالأيمان الكاذبة، لِيخدعوا بذلك من لا يعرف أبعاد أعمالهمِ، فحصل بذلك صدٌّ عن سبيل اللَّه لبعض الناس. قال القرطبي: (﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾ يستجِنُّون بها من القتل. وقرأ الحسن وأبو العالية ﴿أَيْمَانَهُمْ﴾ بكسر الهمزة هنا وفي "المنافقون"، أي إقرارهم اتخذوه جنة، فآمنت إلسنتهم من خوف القتل، وكفرت قلوبهم ﴿فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ في الدنيا بالقتل

(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (١/ ٢٤٠)، وابن جرير في "التفسير" (٣٣٨٠٥).
(٢) حديث صحيح. أخرجه أحمد (١/ ٢٦٧)، والطبري (٣٣٨٠٨)، والحاكم (٢/ ٤٨٢) وإسناده على شرط مسلم. وقال صاحب المجمع (٧/ ١٢٢): (رجال أحمد رجال الصحيح).


الصفحة التالية
Icon