وفي الآخرة بالنار. والصدّ المنع ﴿عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أى عن الإسلام وقيل: في قتلهم بالكفر لما أظهروه من النفاق. وقيل: أي بإلقاء الأراجيف وتثبيط المسلمين عن الجهاد وتخويفهم).
وقوله: ﴿لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾. قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: لن تغني عن هؤلاء المنافقين يوم القيامة أموالهم، فيفتدوا بها من عذاب اللَّه المهين لهم، ولا أولادهم، فينصرونهم، ويستنقذونهم من اللَّه إذا عاقبهم).
وقوله: ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾. أي: هؤلاء المنافقون الذين تولوا قومًا غضب اللَّه عليهم، وأظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر هم أهل النار الذين هم فيها ماكثون.
وقوله: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ﴾ قال قتادة: (إنّ المنافق حلف له يوم القيامة كما حلف لأوليائه في الدنيا). وفي رواية قال: (واللَّه حالَفَ المنافقون ربهم يوم القيامة، كما حالفوا أولياءه في الدنيا).
قلت: وهذا أمر عجيب، وهو بعث اللَّه المنافقين من قبورهم أحياء كهيئاتهم قبل مماتهم: في خلقهم وسلوكهم، فيحلفون له مغالطين كاذبين كما كانوا يحلفون للناس في الدنيا.
وقوله: ﴿وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ﴾. أي: في حلفهم وإنكارهم أمام ربهم عز وجل. قال ابن زيد: (ظنوا أنهم ينفعهم في الآخرة).
وقوله: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾. تقرير لحالهم الذي كانوا عليه في الدنيا وبعثوا عليه.
وقوله: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ﴾. أي: غلب عليهم الشيطان واستحوذ على قلوبهم حتى غفلوا عن ذكر اللَّه وتركوا طاعته.
قال المفضّل: (﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ﴾ أحاط بهم). وقيل: غلب واستعلى عليهم بوسوسته لهم في الدنيا. وقيل: قوي عليهما. وفي لغة العرب: أحوذ فلان الشيء إذا جمعه وضم بعضه إلى بعض. والمقصود: جمعهم الشيطان فغلبهم وقوي عليهم وأحاط بهم حتى كانت الغفلة وإهمال الطاعة أو الترك بالكلية.
وقوله: ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ﴾. أي: جنده وأتباعه وطائفته ورهطه.