تقول: لا عدمتُ رجلًا وشحك هذا الوشاح! فأقول: لا عدمتُ رجلًا عجل أباك إلى النار] (١).
الحديث الثاني: أخرج الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عمر -في قصة أسارى بدر- قال: [فاستشار رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أبا بكر وعمر وعليًا رضي اللَّه عنهم، فقال أبو بكر: يا رسول اللَّه هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذَ منهم الفدية، فيكونَ ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم اللَّه فيكونوا لنا عضدًا. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قال: قلت واللَّه ما أرى ما رأى أبو بكر. ولكن أرى أن تمكنني من فلان -قريب لعمر- فأضرب عنقه، وتمكن عليًا من عقيل بن أبي طالب فيضربَ عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضربَ عنقه، حتى يعلم اللَّه أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم...] الحديث (٢) -وقد نزل الوحي بعدها يوافق قول عمر-.
وقوله: ﴿أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ﴾. أي المؤمنون أصحاب منهج الولاء والبراء.
قال السدي: (﴿كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ﴾: جَعَل في قلوبهم الإيمان).
وقال الربيع بن أنس: (كتَبَ: أثبت). وقيل: ﴿كَتَبَ﴾ - أي جمع.
وقيل: خلق في قلوبهم التصديق، يعني من لم يوال من حاد اللَّه - حكاه القرطبي.
وقوله: ﴿وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ﴾. قال ابن عباس: (أي: قوّاهم). وقال الحسن: (﴿بِرُوحٍ مِنْهُ﴾: بنصر منه). وقال الربيع بن أنس: (بالقرآن وحججه). وقال ابن جريج: (بنور وإيمان وبرهان وهدى). وقيل برحمة من اللَّه. وقيل: أيدهم بجبريل عليه السلام. قلت: وهذه المعاني متقاربة متكاملة تغطي آفاق مفهوم هذه الآية.
وقوله: ﴿وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾.
قال ابن كثير: (وفي قوله تعالى: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾: سرٌّ بديعٌ، وهو أنه لما سَخِطُوا على القرَائب والعَشائِر في اللَّه عَوَّضَهم اللَّه بالرضا عنهم، وأرضاهم عنه بما
(٢) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (١/ ٣٠ - ٣١)، وبنحوه رواه مسلم (١٧٦٣).