رجلًا مقبلًا من المدينةِ، فسألوهُ عنه، فقال: رأيتهُ داخلًا المدينة. فأقبل أصحابُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى انتهوا إليهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخبرهم الخبرَ، بما كانت اليهود أرادت من الغَدْرِ به، وأمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالتهيؤِ لحربهم، والسير إليهم) (١).
فهذه السلسلة من الأعمال العدوانية التي كانت تشير لسوء العلاقة ونبذ العهد من جانب بني النضير مع المسلمين، والتي ختمت بمحاولتي اغتيال للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، كانت سببًا مباشرًا في حصارهم وإجلائهم.
وكانت غزوة بني النضير في ربيع الأول سنة أربع من الهجرة. وذكر ابن سعد والواقدي دون إسنادٍ أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث محمد بن مسلمة إلى بني النضير يقول لهم: (اخرجوا من المدينةِ ولا تساكنوني بها، وقد أجَّلْتكم عشرًا، فمن وجدت بعد ذلك بها ضربت عنقه).
فاستعدوا للخروج والرحيل إذ لم يجدوا مناصًا منه، وهموا بذلكَ لولا أن عبد اللَّه ابن أبي بن سلول المنافق حرَّضهم مع بعض المنافقين من أصحابه على التمرّد وعدم الخروج، ووعدهم وعودًا كاذبة بالنصر والعون، فأعلنوا تمردهم وتحصنوا بحصونهم.
قال ابن إسحاق: (وقد كان رهط من بني عَوف بن الخزِرج، منهم عدو اللَّه عبد اللَّه ابن أبيّ بن سلول ووديعة ومالك بن أبي قَوقل، وسُوَيد وداعس، قد بعثوا إلى بني النضير: أن اثبتوا، وتمنَّعوا فإنا لن نُسْلِمكم، وإن قُوتِلْتُمْ قاتلنا معكم، وإن أُخرجتم خرجنا معكم).
وهنا شَعَرَ اليهود بالأمن ورجعت إليهم ثِقَتُهم، واختاروا المناوأةَ والتحدي، وأعلق رئيسهم حيي بن أخطب التمرد، إذ بعث إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (إنا لا نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك).
فاشتاط المسلمون غضبًا لهذا التحدّي السافر، ونفوسهم ما زالت جريحة من ألم بئر معونة، وقد رأوا تكالب العرب عليهم من كل جانب، وتآمر الأعراب لاغتيالهم أفرادًا وجماعات، وها هي يهود تقدم على محاولة دنيئة لقتل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم تعلنُ التمرد والكبر، فما كان أمامهم إلا خوض الملحمة مهما كانت النتائج.