يَحْتَسِبُوا} أن يأتيهم، وقذف بهم الرعب فزلزل قلوبهم، فأخذوا ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ﴾ من داخلها، والمسلمون يخربونها من ظاهرها، وهو قوله: ﴿وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ﴾. قال الزهري: (لما صالحوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كانوا لا يعجبهم خشبة إلا أخذوها، فكان ذلكَ خرابها). وقال قتادة: (كان المسلمون يخربون ما يليهم من ظاهرها، وتخربها اليهود من داخلها). وقال ابن زيد: (هؤلاء النضير، صالحهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على ما حملت الإبل، فجعلوا يقلعون الأوتاد يخربون بيوتهم).
وقوله: ﴿فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ﴾. فيه مشروعية القياس في الإسلام، كدليل من أدلةِ الاستنباط في الشريعة. والمعنئ: أي فقيسوا أنفسكم وأعمالكم واتعظوا يا ذوي الأفهام أن ينزل بكم ما نزل بيهود إن قلدتم مسلكهم.
قال ابن جرير: (وإنما عُني بالأبصار في هذا الموضع أبصار القلوب، وذلك أن الاعتبار بها يكون دون الإبصار بالعيون).
وقوله: ﴿وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا﴾. قال البخاري: (الجلاء الإخراج من أرض إلى أرض).
والمقصود: لولا أن قضى اللَّه جلاء يهود بني النضير من أرضهم وديارهم، لعذبهم في الدنيا بالقتل والسَّبي، ولكنه رفع العذاب عنهم في الدنيا بالقتل، وجعل عذابهم في الدنيا الجلاء.
وقوله: ﴿وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ﴾. حَتْمٌ لازم لهم في الآخرة صلي النار، بعد أن أخزاهم -تعالى- في الدنيا بالرحيل من ديارهم صاغرين، ليجمع لهم سبحانه بذلك بين الخزيين.
لقد خرجوا يحملون أبواب بيوتهم وشبابيكها بعد أن خربوا ديارهم بأيديهم، حتى حمل بعضهم الأوتاد وجذوع السقف ثم حملوا النساء والصبيان، وتحملوا على ست مئة بعير. قال ابن إسحاق: (فخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام، فكان أشرافهم مَنْ سار منهم إلى خيبر: سلّام بن أبي الحُقيق، وكنانة بن الربيع بن أبي الحُقَيق، وحُيَيّ بن أخطب).
قال: (وخلوا الأموال لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكانت لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خاصة، يضعها حيث يشاء، فقسّمها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على المهاجرين الأولين دون الأنصار. إلا أن سَهْلَ بن حُنيف وأبا دجانة سِماكُ بن خرشة ذكرا فَقْرًا، فأعطاهما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.