شيء أمره اللَّه به، فقد وقاه اللَّه شحّ نفسه، فهو من المفلحين).
وفي صحيح مسلم عن جابر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشّح فإن الشّح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم] (١).
وقوله: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ﴾. هذا هو القسم الثالث ممن يستحق فقراؤهم من مال الفيء. قال النسفي: (﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ عطف أيضًا على المهاجرين وهم الذين هاجروا من بعد. وقيل التابعون بإحسان، وقيل: من بعدهم إلى يوم القيامة).
وعن مجاهد: (﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ قال: الذين أسلموا نعتوا أيضًا).
فالمهاجرون ثم الأنصار ثم التابعون لهم بإحسان داخلون في استحقاق الفيء لفقرائهم، وقد ورد هذا العطف في آية براءة: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٠].
قال ابن كثير: (فالتابعون لهم بإحسان المتبعون لآثارهم الحَسنة وأوصافهم الجميلة، الدَّاعون لهم في السِّر والعلانية. ولهذا قال في هذه الآية الكريمة: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ﴾، أي: قائلين: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا﴾، أي: بُغْضًا وحَسَدًا ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾. وما أحسن ما استنبط الإمام مالك من هذه الآية الكريمة: أن الرافضيَّ الذي يسبُّ الصحابةَ ليس له في مال الفيء نصيبٌ لعدم اتصافه بما مَدَحَ اللَّه به هؤلاء في قولهم: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾).
قلت: وقد ثبت في صحيح السنة بيان مفهوم هذه الآية في أحاديث:
الحديث الأول: أخرج البيهقي بسند صحيح عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه في قصة ذكرها قال: [ثم تلا: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ إلى آخر الآية، فقال: هذه لهؤلاء، ثم تلا: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾ إلى آخر الآية، ثمّ قال: هذا لهؤلاء، ثم تلا: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ

(١) حديث صحيح. رواه مسلم في صحيحه -حديث رقم- (٢٥٧٨)، كتاب البر والصلة.


الصفحة التالية
Icon