على أذى قومه وقد أنزل عليه التوراة كما أنزل عليه القرآن، هدى وذكرى لأولي الألباب، وأن يستعيذ به تعالى من كيد المستكبرين أهل الجدل بالباطل الذي هم في تباب.
فقوله: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾. منهاج عام في حياة الرسل ومن مضى على منهاجهم.
قال السدي: (قد كانت الأنبياء والمؤمنون يُقتلون في الدنيا وهم منصورون، وذلك أن تلك الأمة التي تفعل ذلك بالأنبياء والمؤمنين لا تذهب حتى يبعث اللَّه قومًا فينتصر بهم لأولئك الذين قتلوا منهم).
وهذا الفهم يجيب على ما يخطر بالبال هنا من كون بعض الأنبياء كيحيى وزكريا وشعيا -عليهم السلام- قتله قومه، ومنهم من خرج مهاجرًا -من بين أظهر قومه- كإبراهيم -عليه السلام- ومنهم من رفعه اللَّه إلى السماء كعيسى بن مريم -صلى اللَّه عليه وسلم-. ويضاف إلى ذلك الأمور الآتية:
١ - الآية بعمومها تدل على وعد اللَّه بنصر رسله والمؤمنين في الحياة الدنيا قبل الآخرة، وذلك بإعلائهم على من كذّبهم، وإظفارهم عليهم حتى يقهروهم بالغلبة ويذلوهم بالظفر، كما كان لداود وسليمان -عليهما السلام- فقد أعطاهما اللَّه من الملك والسلطان ما قهروا به كل كافر، وكما كان لمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- فقد أظهره اللَّه على من كذّبه من قومه وأذلّهم.
٢ - كما تدل الآية على انتقام اللَّه لرسله والمؤمنين ممن حادّهم وشاقهم بإهلاكهم وإنجاء الرسل دون قتال، كما فعل تعالى ذكره بنوح وقومه من تغريقهم وإنجائه، وبموسى وفرعون وقومه إذ أهلكهم غرقًا ونجّى موسى ومن معه.
٣ - وتدل الآية كذلك على انتقام اللَّه في الحياة الدنيا ممن كذبوا الرسل بعد وفاة الرسول فيهم، كنصرة اللَّه شعياء بعد مهلكه بأن سلّط على قتلته من قهرهم، وكفعله بقتلة يحيى إذ سلط بختنصّر عليهم فسامهم سوء العذاب. وكفعْله باليهود الذين أرادوا صلب المسيح عليه السلام فسلط اللَّه عليهم الروم فأهانوهم وأذلوهم، ثم ينزل عيسى بن مريم قبل يوم القيامة إمامًا عادلًا فيقتل المسيح الدجال وجنوده من اليهود ويضع الجزية ويقتل الخنزير ويكسر الصليب.
٤ - قد يكون الكلام على وجه الخبر عن الجميع من الرسل والمؤمنين والمراد