وقوله: ﴿أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾. قال ابن كثير: (لا كما تعبدونه من الأصنام والأنداد والأرباب المتفرقين، إنما اللَّه إلهٌ واحد).
وقوله: ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ﴾. قال القرطبي: (أي وجهوا وجوهكم بالدعاء له والمسألة إليه). وقوله: ﴿وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾. أي: من شرككم وخطاياكم.
وقوله: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾. قال ابن عباس: (هم الذين لا يشهدون أن لا إله إلا اللَّه). قلت: وهذا فقه كبير في فهم الآية، فإن إيجاب الزكاة المالية كان في السنة الثانية للهجرة، وهذه الآية مكية، إلا أن يقال أن يكون المراد أصل الصدقة الذي أُمِرَ به المسلمون أول الإسلام متروكًا لشعورهم قبل تعيين الأنصبة في المدينة بعد الهجرة، فيكون هذا جمعًا مع قول قتادة: (﴿الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾: يمنعون زكاة أموالهم)، وقوله السدي: (الذين لا يدينون بالزكاة)، وقول معاوية بن قرة: (ليس هم من أهل الزكاة).
لكن قد يقول قائل: بل الصلاة أَهَمُّ لو أريد تفصيل بعض الأحكام والأركان، فإن الصلاة قد فرضت قبل طلوع الشمس وقبل غروبها أول الإسلام، ثم فصلت الفرائض ليلة الإسراء.
ووجه الإجابة عند ذلك يكون بالرجوع لمفهوم الزكاة -وهو النماء والطهارة- فتحمل الآية على طهارة النفس من الأخلاق الرذيلة وأخصّ ذلك طهارتها من دنس الشرك والجحود، ثم أداء زكاة نعم اللَّه الجليلة الكثيرة: كالصحة والمال والولد وألوان النعيم، فيكون معنى الآية: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ أي: دمار عليهم وهلاك محيط بهم ﴿الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ أي: زكاة خلقهم من إفراد اللَّه تعالى بالدعاء والتعظيم، وشكره على نعمة العافية والمال والولد وألوان النعيم، ويدخل في ذلك عندئذ الإنفاق على القرابة المحتاجين وغيرهم من المساكين.
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس: ٩ - ١٠].
٢ - وقال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ [الأعلى: ١٤ - ١٥].
٣ - وقال تعالى: ﴿فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى﴾ [النازعات: ١٨].