رواية: (أي: وَهِيٍّ). وقال السدي: (﴿هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ﴾ أي: من خُرُوق). وقال قتادة: (أي هل ترى خَلَلًا يا ابن آدم؟ ). والمقصود: اردد طرفك إلى السماء فقلِّب البصر في أرجائها فانظر متأملًا هل ترى فيها عيبًا أو نقصًا أو شقوقًا.
وقوله: ﴿ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ﴾. قال قتادة: (مرتين). أي رجعتين مرة بعد مرة. فإن النظرة الأولى قد لا تكشف العيب، فانظر الثانية نظر الفاحص المستكشف.
وقوله: ﴿يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا﴾. قال ابن عباس: (ذليلًا). وقال مجاهد: (صاغرًا). فأخبر اللَّه تعالى أنه وإن نظر في السماء مرة بعد مرة متفحصًا لا يرى فيها عيبًا بل يتحيّر بالنظر إليها، ويرجع البصر خاشعًا صاغرًا متباعدًا عن رؤية أي عيب أو نقص أو خلل. وفي لغة العرب: خَسَأ البصر أي سَدِر -يعني لم يكد يبصر- من باب قَطَع وخَضَع. وخسأت الكلبَ أي أبعدته وطردته.
وقوله: ﴿وَهُوَ حَسِيرٌ﴾. الحسور: الإعياء. قال قتادة: (﴿وَهُوَ حَسِيرٌ﴾ يقول: مُعْيٍ لم ير خللًا ولا تفاوتًا). والمقصود: عاد البصر بعد التأمل حسيرًا -أي كليلًا- قد انقطع من الإعياء من كثرة التكرُّر ولا يرى نقصًا ولا عيبًا.
وقوله: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾. بيان لكمال زينة السماء وتمام خلقها وحسن تلألئها بعد نفي النقص أو العيب في صرحها. والمصابيح: الكواكب التي وضعت فيها السيَّارات والثوابتِ. قال النسفي: (﴿بِمَصَابِيحَ﴾ بكواكب مضيئة كإضاءة الصبح، والمصابيح السرج، فسميت بها الكواكب والناس يزينون مساجدهم ودورهم بإيقاد المصابيح، فقيل: ولقد زينا سقف الدار التي اجتمعتم فيها بمصابيح، أي بأي مصابيح لا توازيها مصابيحكم إضاءة).
وقوله: ﴿وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ﴾. أي وجعلنا الشهب التي تصدر عن هذه المصابيح رجومًا لأعدائكم من الشياطين. والرجوم: جمع رجم، وهو مصدر سُمِّيَ به ما يرجم به. قال قتادة: (خلق اللَّه تعالى النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلامات يُهتدى بها في البر والبحر والأوقات. فمن تأوّل فيها غير ذلك فقد تكلّف ما لا علم له به، وتعدّى وظلم).
أخرج البخاري عن ابن عباس قال: [انطلق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين. فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء


الصفحة التالية
Icon