أحَبَّ إليه المدحُ من اللَّه عزَّ وجلَّ، مِنْ أجْلِ ذلك مَدَحَ نَفْسَهُ، وليسَ أحَدٌ أَغْيَرَ من اللَّه، مِنْ أَجْلِ ذلك حَرَّمَ الفواحِشَ، وليس أحَدٌ أحبَّ إليه العُذرُ من اللَّه، مِنْ أجْل ذلك أنزل الكِتابَ وأرسَلَ الرُّسُل] (١).
وفي سنن أبي داود بسَند صحيح عن أبي البَخْتَرِيِّ الطائي قال: أخبرني من سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: [لَنْ يهلكَ الناس حتى يَعْذِروا، أو يُعْذِروا، من أنفسهم] (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾.
إِخْبَارٌ من اللَّه عز وجل عن وقوع الكافرين يوم الحسرة بالندامة، ورجوعهم على أنفسهم بالملامة. قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: وقال الفوج الذي ألقي في النار للخزنة ﴿لَوْ كُنَّا﴾ في الدنيا ﴿نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ﴾ من النذر ما جاؤونا به من النصيحة، أو نعقل عنهم ما كانوا يدعوننا إليه ﴿مَا كُنَّا﴾ اليوم ﴿فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ يعني أهل النار). والمقصود: ما كانوا يسمعون الإنذار سماع طالب الحق، ولا يعقلون حجج الوحي عقل المتأمل المتدبر، وهذا ما وَرَّطهم في العذاب يوم القيامة. قال النسفي: (وفيه دليل على أن مدار التكليف على أدلة السمع والعقل وأنهما حجتان ملزمتان).
وقوله: ﴿فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ﴾. أي: أقروا بكفرهم في تكذيب الرسل ومعاندة حجج الوحي. ووحّد الذنب وقد أضيف إلى الجمع لأن فيه معنى الفعل، فالذنب بمعنى الجمع، فأدّى الواحد عن الجميع، كما يقال: خرج عطاء الناس أي أعطيتهم.
وقوله: ﴿فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾. قال ابن عباس: (يقول: بُعْدًا). قال القرطبي: (أي فَبُعْدًا لهم من رحمة اللَّه).
١٢ - ١٥. قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ
(٢) حديث صحيح. أخرجه أبو داود في السنن (٤٣٤٧)، بإسناد حسن، وجهالة الصحابي لا تضرّ، فالإسناد رجاله ثقات. وانظر صحيح سنن أبي داود (٣٦٥٣).