اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥)}.
في هذه الآيات: إثباتُ رفيع الأجر والثواب لأهل الخشية والخوف من اللَّه العظيم، الذي يعلم السر وأخفى وهو اللطيف الخبير الكريم، والذي ذلَّل الأرض لعباده ليسعوا في مناكبها وليشكروه على نعمه وليستعدوا للقائه في يوم الحشر العظيم.
فقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾. قال ابن جرير: (يخافون ربهم ﴿بِالْغَيْبِ﴾ يقول: وهم لم يَرَوْه).
قلت: بل الخشية أخص من الخوف، فالخشية للعلماء باللَّه، والخوف لعامة المؤمنين. كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨]. وكما قال نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [إني أتقاكم للَّه وأشدكم له خشية]- رواه مسلم.
وقوله: ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾. أي لهم عفو من اللَّه عن ذنوبهم، وثواب جزيل على خشيتهم إياه -سبحانه- بالغيب.
وقوله: ﴿وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ﴾. اللفظ لفظ الأمر والمراد به الخبر. والتقدير: سواء أخفيتم قولكم وكلامكم أيها الناس أو أعلنتموه فإن إسراركم وإجهاركم قد أحاط به اللَّه.
وقوله: ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾. أي: إنه تعالى محيط بضمائر الصدور لا يخفى عليه منها شيء، فغيرها أحرى أن لا يخفى عليه.
وقوله تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾. أي: ألا يعلم السر من خلق السر، وهو ﴿اللَّطِيفُ﴾ بعباده ﴿الْخَبِيرُ﴾ بهم وبأعمالهم.
واللطيف اسم من أسماء اللَّه تعالى. ومعناه: الذي يوصِلُ إليك أَرَبَك في رِفْق. وقيل: هو الذي لَطُفَ عن أن يُدْرَكَ بالكيفية.
قال تعالى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: ١٠٣].
وقال تعالى: ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [الشورى: ١٩].
والخبير: العالم العارف بما كان وما يكون. قال تعالى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: ١٨].