وقال السدي: (﴿وَمَا يَسْطُرُونَ﴾: يعني الملائكة وما تكتُب من عمل العباد). قال ابن كثير: (﴿وَالْقَلَمِ﴾. فهو قَسَمٌ منه تعالى، وتنبيهٌ لِخَلْقِه على ما أنعم به عليهم من تعليم الكتابة التي بها تُنالُ العُلوم).
وقوله: ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾. قال النسفي: (أي بإنعامه عليك بالنبوة وغيرها). وقال القرطبي: (والنعمة هاهنا الرحمة). وقيل: النعمة هاهنا قسم والتقدير: ما أنت ونعمة ربك بمجنون، فالواو والباء من حروف القسم.
والمقصود: ما أنت -يا محمد- بما جئت به قومك من الوحي والهدى والحق بمجنون -كما نسبك الجهلة من قومك ظلمًا إلى الجنون-.
وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾. أي: وإن لك يا محمد عند اللَّه الثواب العظيم الجزيل الذي لا ينقطع ولا يبيد، مقابل حملك هذه الأمانة، والصبر على أذى قومك في سبيلها. قال ابن جرير: (﴿غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾: غير منقوص ولا مقطوع). فهو من قولهم: مننت الحبل إذا قطعته. وحبل منين إذا كان غير متين. وعن مجاهد: (﴿غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾: غير محسوب). وقال الحسن: (غير مكذر بالمنّ). وقال الضحاك: (أجرًا بغير عمل). وعن الماوردي: (غير مقدّر وهو التفضّل، لأن الجزاء مقدّر والتفضل غير مقدّر). وجميعها أقوال متقاربة متكاملة.
وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره لنبيه محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-: وإنك يا محمد لعلى أدب عظيم، وذلك أدب القرآن الذي أدَّبه اللَّه به، وهو الإسلام وشرائعه).
قلت: و"على" في لغة العرب حرف استعلاء، فكأن الخلق العظيم في مقام أنت علوته يا محمد، وسموت فوقه بتألق صفاتك وأخلاقك.
ومن كنوز السنة العطرة في وصف أخلاقه وشمائله -صلى اللَّه عليه وسلم- أحاديث:
الحديث الأول: روى مسلم في صحيحه من حديث عائشة: [-وقد سألها رجل-: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن خُلُق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قالت: ألسْتَ تَقْرأُ القرآنَ؟ قلت: بلى. قالت: فإن خُلُقَ نبيّ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان القرآن] (١).
قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذا الحديث: (ومعنى هذا أنه -عليه الصلاةُ