والسلامُ- صارَ امتثالُ القرآن، أمرًا ونهيًا، سجيةَ له وخُلقًا تَطَبَّعَهُ، وترك طَبْعَهُ الجبلِّيَّ، فمهما أمَره القرآنُ فَعَله، ومَهما نهاه عنه تَرَكه، هذا مع ما جبله اللَّه عليه من الخُلُق العظيم، من الحياء والكرم، والشجاعة، والصَّفحِ، والحِلم وكلِّ خلق جميل). وقال القرطبي: (ولم يُذكر خُلُقٌ محمود إلا وكان للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- منه الحظّ الأوفر).
الحديث الثاني: أخرج البخاري ومسلم عن أنس قال: [خَدَمْتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عشر سنين فما قال لي "أف" قطُّ، ولا قال لشيء فعلتُه: لِمَ فَعَلْتَه؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فَعَلْتَهُ؟ ! وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من أحْسَنِ الناس خلقًا، ولا مَسسْتُ خَزًّا ولا حَريرًا ولا شيئًا كان ألينَ من كفِّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا شَممْتُ مسكًا ولا عِطرًا كان أطيب من عَرَق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-] (١).
قلت: وهذا الحديث العظيم يدل أن اللَّه تعالى قد جمع في شخص النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حسن الخَلْقِ والخُلُق، فهو من أحسن الناس خَلْقًا وخُلقًا.
الحديث الثالث: أخرج البخاري ومسلم والترمذي عن البراء قال: [كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أحسنَ الناس وجهًا وأحسن الناس خُلقًا، ليس بالطويل ولا بالقصير] (٢).
الحديث الرابع: أخرج أحمد على شرط الشيخين عن عائشة قالت: [ما ضَرَبَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيده خادِمًا قطُّ، ولا امرأةً، ولا ضربَ بيده شيئًا قطُّ، إلا أن يجاهد في سبيل اللَّه. ولا خُيِّرَ بين شيئين قطّ إلا كان أحبُّهما إليه أيسرُهما حتى يكون إثمًا، فإذا كان إثمًا كان أبعد الناس من الإثم، ولا انتقم لنفسه من شيء يُؤتَى إليه إلا أن تُنْتَهك حُرمات اللَّه، فيكون هو ينتقم للَّه عزّ وجل] (٣).
الحديث الخامس: أخرج أحمد بسند حسن عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [إنما بُعثت لأُتَمِّمَ صالح الأخلاق] (٤).
الحديث السادس: أخرج الترمذي بسند صحيح من حديث أبي الدرداء، أن
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح (٣٣٤٩)، ومسلم (٢٣٣٧) ح (٩٣)، وأخرجه الترمذي في "الشمائل" (١٣١) من حديث البراء.
(٣) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٦/ ٢٣٢)، وإسناده على شرط البخاري ومسلم، وله طرق.
(٤) حديث حسن. أخرجه أحمد في المسند (٢/ ٣٨١)، وإسناده حسن.