وعصمه منها). قال القاسمي: (﴿وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ﴾ أي كما تدعون أخرى بأنه من سجع الكهان ﴿قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ أي تتعظون وتعتبرون).
فنفى عنهم الإيمان أولًا ثم الذكرى ثانيًا: لأن اتهام القرآن بالشعر بالغة من الكذب، فهم أهل الفصاحة والعلم بصناعة العرب والشعراء. ثم إن الكهان يأخذون جُعْلًا، ويتكلفون السجع والكذب، وإدخال الأخبار ببعضها، فأين الذكرى لهم في ذلك!
وقوله تعالى: ﴿تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. أي: وإنما هذا القرآن تنزيل من ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾: الذي ربّاهم بصنوف نعمه، وما خلقهم عبثًا ولا تركهم للضياع، بل أكرمهم بالوحي والنبوة، ليوصلهم إلى سبل السعادة ومناهج الفلاح.
٤٤ - ٥٢. قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (٤٧) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (٥٠) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٥٢)﴾.
في هذه الآيات: المبالغةُ بوصف العقاب لو افترى الرسول هذا الكتاب، وإنما هو كلام اللَّه العظيم، فيه تذكرة للمتقين، ويحمل الحسرة والندامة للكافرين.
فقوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ﴾. قال ابن كثير: (يقول تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا﴾ أي: محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- أو كان كما يزعُمون مفتريًا علينا، فزاد في الرِّسالة أو نقصَ منها، أو قال شيئًا من عنده فنسبه إلينا، وليس كذلك، لعاجَلناه بالعقوبة. ولهذا قال تعالى: ﴿لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ﴾، قيل: معناه: لانتقمنا منه باليمين، لأنَّها أشدُّ في البَطْش. وقيل: لأخذنا بيمينه).
قلت: فهناك تأويلان متكاملان لقوله تعالى: ﴿لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ﴾:
التأويل الأول: أي لأخذنا منه بالقوة منا والقدرة. ذكره ابن جرير واختاره.
التأويل الثاني: أي لأخذنا منه باليد اليمنى من يديه. فهو كقول السلطان إذا أراد الاستخفاف ببعض من بين يديه لبعض أعوانه: خذ بيده، فأقمه، وافعل به كذا وكذا، والمقصود الإهانة. قال الزمخشري: (المعنى لو ادّعى علينا شيئًا لم نقله لقتلناه صبرًا،