قال القرطبي: (﴿قَائِمُونَ﴾ على من كانت عليه من قريب أو بعيد، يقومون بها عند الحاكم ولا يكتمونها ولا يغيرونها).
وفي التنزيل: ﴿وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣].
وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾. قال قتادة: (على وضوئها وركوعها وسجودها). وقيل: على مواقيتها وأركانها وواجباتها ومستحباتها. وقيل: الدوام عليها الاستكثار منها، والمحافظة عليها أن لا تضيع عن مواقيتها.
قلت: الدوام يشمل المحافظة على أدائها وعدم الانشغال عنها. وأما المحافظة عليها فيضم مراعاة إسباغ الوضوء لها وإقامتها في مواقيتها بأركانها وواجباتها ومستحباتها وآدابها. وقد افتتح الكلام بذكر الدوام على الصلاة واختتمه بذكر المحافظة عليها، ليدل على مكانتها في الإسلام وشرفها وعلو قدر صاحبها.
وقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ﴾. أي: هؤلاء الموصوفون بهذه الصفات والنعوت الرفيعة هم أهل الكرامة وحسن التكريم في الآخرة، ينعمون بأنواع الملاذ، وصنوف المسارّ، وألوان الكرامات.
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [يُنادي مُنَادٍ: إنَّ لكم أن تَصِحُّوا فلا تَسْقموا أَبَدًا، وإنَّ لكم أن تَحْيَوا فلا تموتوا أبدًا، وإنَّ لكم أن تَشِبُّوا فلا تَهْرَمُوا أبدًا، وإنَّ لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدًا] (١).
٣٦ - ٤٤. قوله تعالى: ﴿فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (٤٠) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (٤٤)﴾.
في هذه الآيات: استنكارٌ على المشركين نفورهم من الحق وقد رأوا أمامهم تأييد اللَّه نبيّه بالنصر والمعجزات، وتوبيخٌ لهم في طمعهم بالجنان وهم باقون على الشرك