فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (١٢) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (١٣) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (١٤) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (١٥) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (١٦) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (١٧) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (١٨) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (١٩) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (٢٠)}.
في هذه الآيات: إخبارُ اللَّه تعالى عن صبر نبيِّه -نوح -صلى اللَّه عليه وسلم- على دعوة قومه وأذاهم في تلك المدة الطويلة التي هي ألف سنة إلا خمسين عامًا وهو يدعوهم ليلًا ونهارًا وسرًا وجهارًا، فلم يزدادوا إلا عتوًا ونفورًا واستكبارًا، وأنه دعاهم إلى تعظيم اللَّه واستغفاره وشكره الذي ينعكس عليهم رزقًا وخيرًا وأنهارًا، ومع ذلك أصروا على الكفر والمنكر وتناسوا النعم فهم لا يرجون للَّه وقارًا.
فقوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا﴾. قال النسفي: (دائبًا بلا فتور).
والمقصود: واصلت لهم الدعاء ودأبت في ذلك بالليل والنهار حرصًا على نجاتهم.
وقوله تعالى: ﴿فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا﴾. قال القرطبي: (أي تباعدًا من الإيمان).
وقال ابن جرير: (يقول: إلا إدبارًا عنه (١) وهربًا منه وإعراضًا عنه).
وقوله: ﴿وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ﴾. أي: لئلا يسمعوا دعائي. قال ابن كثير: (أي سَدُّوا آذانهم لئلا يسمعوا ما أدعوهم إليه. كما أخبر تعالى عن كفار قريش: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ [فصلت: ٢٦]).
وقوله تعالى: ﴿وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ﴾. قال ابن عباس: (تنكَّروا له لئلا يعرفهم).
وقال سعيد بن جبير: (غطوا رؤوسهم لئلا يسمعوا ما يقول).
وقوله: ﴿وَأَصَرُّوا﴾. أي: ركبوا رؤوسهم بالاستمرار على ما هم عليه من الكفر والشّر فلم يتوبوا. والإصرار على الذنوب من أكبر الكبائر وفيه الوعيد الشديد.
فقد أخرج البخاري في "الأدب المفرد"، وأحمد في المسند، بإسناد صحيح، عن