وَمَغيبها، وقدَّر القمر منازلَ وبُروجًا، وفاوت نورَهُ، فتارةً يزدادُ حتى يتناهى ثم يشرع في النقص حتى يسْتَسِرَّ، ليدلَّ على مضي الشهور والأعوام).
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا﴾. قال ابن جريج: (يعني آدم عليه السلام خلقه من أديم الأرض كلها). وقال النسفي: (﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ أنشأكم، استعير الإنبات للإنشاء ﴿نَبَاتًا﴾ فنبتم نباتًا). وقال ابن جريج: (أنبتهم في الأرض بالكِبَر بعد الصِّغَر وبالطول بعد القِصَر).
قلت: وقد ثبت في السنة الصحيحة أن اللَّه تبارك وتعالى قبض قبضة من جميع ترب الأرض فخلق منها آدم، فجاء نسله متفاوتًا حسب طبيعة تلك الترب، فأشبه خلق الإنسان خلق النبات وترعرعه.
فقد أخرج الترمذي بسند صحيح عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [إنَّ اللَّه خلقَ آدَمَ من قُبْضَةٍ قَبَضَها من جميع الأرض، فجاءَ بنو آدَمَ على قَدْر الأرض، فجاءَ مِنهم الأحْمَرُ، والأبيضُ، والأسودُ، وبين ذلك، والسَّهْلُ، والحَزْنُ، والخبيثُ، والطيِّبُ] (١).
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا﴾. أي: ثم يعيدكم في الأرض عند موتكم فتدفنون فيها، إلى أن يخرجكم من قبوركم بالنشور للبعث يوم القيامة.
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا﴾. أي مبسوطة تستقرون عليها، فقد مَهَّدَها لكم لتصلح لانتشاركم في معايشكم، وقرَّرها وثَبَّتها بالجبال الراسيات والشمِّ الشامخات.
وقوله تعالى: ﴿لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا﴾. قال ابن عباس: (يقول: طرقًا مختلفة).
وقال قتادة: (طرقًا وأعلامًا). والفجاج: جمع فجّ: وهو الطريق. والمعنى: يقول نوح لقومه -في معرض تذكيرهم نعم ربه عليهم-: إن اللَّه تعالى قد مهّدَ لكم هذه الأرض وبسطها لتستقروا عليها، ولتسلكوا منها طرقًا صعابًا متفرقة في أرجائها وأطرافها ونواحيها لالتماس مصالحكم. فجمع لكم بذلك بين تسخير المنشآت العلوية والسفلية، لتنالوا من الفوائد والمنافع السماوية والأرضية. أفلا يحملكم هذا على إفراده تعالى بالعبادة والتعظيم، فتعبدوه ولا تشركوا به شيئًا؟ !