والجُنونِ، فذلك قول اللَّه عز وجل: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾). رواه ابن أبي حاتم.
وقال قتادة: (﴿فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾، أي إثمًا، وازدادت الجِنُّ عليهم جَرَاءَةً).
وقال أبو العالية: (﴿رَهَقًا﴾، أي: خوفًا). وقال مجاهد: (زاد الكفارُ طغيانًا).
والمقصود: لما رأت الجن التماس بعض الإنس الفرج منهم تسلطوا عليهم بمزيد من الخوف والإرهاب والذعر والطغيان، حتى أوقعوهم في الشرك أكبر والموبقات والظلم والآثام.
وفي التنزيل نحو ذلك: قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٢٨) وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٨ - ١٢٩].
قال ابن عباس: (﴿قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ﴾ يعني أضللتم منهم كثيرًا). وقال مجاهد: (كثر من أغويتم). فحكى اللَّه إجابتهم بقوله: ﴿وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ﴾. والتقدير في العربية: استمتع بعضنا بعضًا.
قال ابن جريج: (كان الرجل في الجاهلية ينزل الأرض فيقول: أعوذ بكبير هذا الوادي، فذلك استمتاعهم، فاعتذروا يوم القيامة).
وقال القرطبي: (فاستمتاع الجن من الإنس أن تلذذوا بطاعة الإنس إياهم، وتلذذ الإنس بقبولهم من الجن حتى زنوا وشربوا الخمور بإغواء الجن إياهم).
وقيل: وأما استمتاع الجن بالإنس فبما كانوا يلقون إليهم من الأراجيف والكهانة والسحر. وقيل: استمتاع الجن بالإنس أنهم يعترفون أن الجن يقدرون أن يدفعوا عنهم ما يحذرون.
وعن ابن زيد: (﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا﴾: ظالمي الجن وظالمي الإنس، وقرأ: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف: ٣٦]، قال: نسلط ظلمة الجن على ظلمة الإنس).
قلت: فهذا التسليط من اللَّه تعالى لظلمة الجن على ظلمة الإنس داخل في مفهوم قوله جلت عظمته: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾.


الصفحة التالية
Icon