وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا﴾.
إخبارٌ من اللَّه سبحانه عن قيل هؤلاء النفر من الجن: عن ظنهم أن لن يبعث اللَّه بعد هذه المدة رسولًا يدعوهم إلى التوحيد ويصحح له المسار، كما ظن بعض رجال الإنس. قال الكلبي: (ظن كفار الجنّ كما ظن كفرة الإنس أن لن يبعث اللَّه رسولًا). واختاره ابن جرير.
ويجوز أن يكون المعنى أن الجن ظنوا كما ظننتم يا أهل مكة أنه لا بعث بعد الموت. قال النسفي: (أي إن الجن كانوا ينكرون البعث كإنكاركم، ثم بسماع القرآن اهتدوا وأقروا بالبعث فهلا أقررتم كما أقروا).
٨ - ١٠. قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (٨) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (٩) وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (١٠)﴾.
في هذه الآيات: اعترافُ الجن بالشهب الحارقة التي أصبحت تمنعهم خبر السماء، وحسن أدبهم في نسب إرادة الرشد لربهم وأنه يذوق أهل الأرض بِسبب ذنوبهم الشقاء.
فقوله: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ﴾. قال النسفي: (طلبنا بلوغ السماء واستماع أهلها. واللمس: المس، فاستعير للطلب لأن الماس طالب متعرف).
وقوله: ﴿فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا﴾. قال ابن جرير: (يعني حفظة).
والمقصود: فوجدنا جمعًا أقوياء من الملائكة يحرسون ويمنعون الجن من الاقتراب.
وقوله: ﴿وَشُهُبًا﴾. جمع شهاب، وهي النجوم التي كانت تُرجم بها الشياطين.
والمقصود: أن الشياطين كانت تسترق السمع من السماء مما تتكلم به الملائكة مما قضى اللَّه به في الأرض، فيلقونه إلى الكهنة والسحرة ليضلوا الناس عن الدين الحق، فلما بُعِثَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حفظ اللَّه السماء بالحرس الشديد والشهب الحارقة، فطرِدت الشياطين عن مقاعدها، وهذا من لطف اللَّه بخلقه، وحفظه لكتابه.
وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا﴾.