قال قتادة: (كانت الجن تسمع سمع السماء، فلما بعث اللَّه نبيّه، حُرست السماء، ومنعوا ذلك، فتفقّدت الجنّ ذلك من أنفسها).
والرَّصَد: الحافظ للشيء والجمع أرصاد، وقيل: الرصد هو الشهاب، أي شهابًا قد أرصد له ليرجم به.
أخرج البخاري في صحيحه عن عكرمة قال: سمعت أبا هريرة رضي اللَّه عنه يقول: [إن نبيَّ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: إذا قضى اللَّه تعالى الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله كأنه سلسلة على صفوان (١)، فإذا فُزِّعَ عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض، فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مئة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا، كذا وكذا، فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء] (٢).
وأخرج الترمذي بسند صحيح عن ابن عباس قال: [كان الجن يصعدون إلى السماء يستمعون الوحي فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعًا. فأما الكلمة فتكون حقًا، وأما ما زادوه فيكون باطلًا. فلما بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- منعوا مقاعدهم، فذكروا ذلك لإبليس، ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك، فقال لهم إبليس: ما هذا إلا من أمر قد حدث في الأرض، فبعث جنوده فوجدوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قائمًا يصلي بين جبلين -أراه قال بمكة- فلقوه فأخبروه هذا الحدث الذي حدث في الأرض] (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾.
قال ابن كثير: (أي لا ندري أشر أريد بأهل الأرض أم رشد، وهذا من أدبهم في العبارة حيث أسندوا الشر إلى غير فاعل، والخير أضافوه إلى اللَّه عز وجل). وقال ابن القيم: (قول مؤمني الجن: ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ فأتوا بالفعل المبني للمجهول تأدبًا ولم يقولوا أراده ربهم. وكذلك قول الخضر في السفينة: ﴿فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ [الكهف: ٧٩] ولم يقل فأراد ربك أن أعيبها بينما قال في الغلام:

(١) أي تجر على حجر أملس.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح (٤٧١٠)، كتاب التفسير، وقد مضى بتمامه.
(٣) حديث صحيح. انظر صحيح سنن الترمذي -حديث رقم- (٢٦٤٨)، كتاب التفسير، سورة الجن.


الصفحة التالية
Icon