وقوله: ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ﴾. أي: وأنا علمنا أننا لن نعجز اللَّه في الأرض إن أراد بنا سوءًا. قال النسفي: (﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا﴾ أيقنا ﴿أَنْ لَنْ نُعْجِزَ﴾ لن نفوته ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ حال، أي لن نعجزه كائنين في الأرض أينما كنا فيها).
وقوله: ﴿وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا﴾. قال القرطبي: (أي علمنا بالاستدلال والتفكر في آيات اللَّه: أنا في قبضته وسلطانه، لن نفوته بهرب ولا غيره. و ﴿هَرَبًا﴾ مصدر في موضع الحال أي هاربين).
وقوله: ﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ﴾. فَهُم يفتخرون بذلك، وهو مَفْخَرٌ لهم بحق، وشرف رفيع. أي: وأنا لما سمعنا القرآن آمنا به وباللَّه، وصدّقنا محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- على رسالته. قال الحسن: (بعث اللَّه محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الإنس والجن، ولم يبعث اللَّه تعالى قط رسولًا من الجن، ولا من أهل البادية، ولا من النساء، وذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ [يوسف: ١٠٩]).
وفي صحيح مسلم من حديث جابر مرفوعًا: [بعثت إلى الأحمر والأسود]. قال مجاهد: (يعني الإنس والجن). فهو صلوات اللَّه وسلامه عليه رسول اللَّه إلى جميع الثقلين: الإنس والجن، مُبَلِّغًا لهم عن اللَّه تعالى ما أوحاه إليه من هذا الكتاب العزيز.
وقوله: ﴿فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا﴾. البخس: النقصان. والرَّهق: العدوان. قال ابن عباس: (فلا يخاف أن يُنْقَصَ من حسناته أو يحمل عليه غيرُ سيئاته، كما قال تعالى: ﴿فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ [طه: ١١٢]).
وقوله: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ﴾. القاسط: الجائر، لأول عادل عن الحق، والمُقْسِطُ: العادل؛ لأنه عادل إلى الحق. والعرب تقول: قسَطَ فلان: أي جار، وأقسط: إذا عدله. والمعنى: وأنا منا المسلمون الذين خضعوا للَّه بالطاعة ﴿وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ﴾ الجائرون عن الإسلام وقصد السبيل. قال ابن عباس: (﴿وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ﴾: العادلون عن الحق). وقال مجاهد: (الظالمون). وقال قتادة: (الجائرون).
وقوله: ﴿فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾. أي: فمن استقام على الحق وخضع للَّه بالطاعة فأولئك ترجّوا رشدًا في دينهم والتمسوا سبيل النجاة والفلاح.
وقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾. أي: وأما الجائرون عن الإسلام الملتمسون غير سبيل المؤمنين ﴿فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ أي وقودًا توقد بهم.


الصفحة التالية
Icon