وقوله تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾.
قال ابن عباس: (يعني بالاستقامة: الطاعة. فأما الغدق فالماء الطاهر الكثير).
وقال مجاهد: (﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ طريقة الإسلامِ ﴿لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ قال: نافعًا كثيرًا، لأعطيناهم مالًا كثيرًا). والعرب تقول: غدِقت العينُ تغدَق، فهي غَدِقة، إذا كثر ماؤها. والمقصود بالآية أن الاستقامة على الدين الحق سبب في سعة الرزق وإقبال الدنيا. قال قتادة: (يقول: لو آمنوا كلهم لأوسعنا عليهم من الدنيا). وقال: (لو اتقوا لوسَّعَ عليهم في الرزق). وقال الربيع: (﴿مَاءً غَدَقًا﴾: عيشًا رغدًا).
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: ٢ - ٣].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ [المائدة: ٦٦].
٣ - وقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأعراف: ٩٦].
ومن كنوز السنة العطرة في آفاق هذه الآية أحاديث:
الحديث الأول: أخرج الترمذي في السنن بسند صحيح عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [لو أنكم كُنتم تَوَكَّلُونَ على اللَّه حقَّ توكُّلِهِ لَرُزِقْتُم كما تُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا، وتروح بِطانًا] (١).
الحديث الثاني: أخرج أحمد والترمذي بإسناد صحيح عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إنَّ اللَّه تعالى يقول: يا ابنَ آدم تفرَّغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسُدَّ فقرك، وإن لا تفعل ملأت يديك شغلًا ولم أسُدَّ فقرك] (٢).
الحديث الثالث: أخرج الترمذي في الجامع بسند صحيح عن أنس، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-
(٢) حديث صحيح. أخرجه الترمذي (٣/ ٣٠٨)، وأحمد (٢/ ٣٥٨)، وابن ماجة (٢/ ٥٢٥)، وابن حبان (٢٤٧٧). وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (١٣٥٩).