قال: [من كانت الآخرة همَّهُ، جعل اللَّه غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة. ومن كانت الدنيا هَمَّهُ، جعلَ اللَّه فقره بين عينيه، وفرَّق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدِّرَ له] (١).
وقوله: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾. أي لنختبرهم فيه. قال قتادة: (لنبتليهم فيه). وقال زيد بن أسلم: (لنبتليهم من يستمرُّ على الهداية ممَّن يرتد إلى الغواية).
والمقصود: أنَّ الاستقامة على الحق والهدى يغدق اللَّه بها على أهلها الرزق الوفير والسعة في الدنيا، وهذا الإغداق بحد ذاته موضع امتحان للعباد واختبار لهم، وكثير من الناس يضعف شكره للَّه عند انفتاح الدنيا وزينتها.
أخرج ابن ماجة بسند حسن عن أبي الدرداء قال: خرج علينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ونحن نذكر الفقرَ ونتخوفه. فقال: [آلْفَقْرَ تخافون؟ والذي نَفْسي بيده لَتُصَبَّنَّ عليكمُ الدنيا صَبًّا حتى لا يُزيغَ قَلْبَ أحدِكُم إزاغَةً إلاهِيَهْ. وَايْمُ اللَّه لقد تركْتُكُم على مِثْلِ البيضاء، ليلُها ونهارُها سواء] (٢).
وبعض المفسرين ذهب إلى تأويل قوله تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ قال طريقة الضلالة، والراجح ما ذكرناه، وهو المناسب للسياق، واللَّه تعالى أعلم.
وقوله: ﴿وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا﴾. أي: ومن يعرض عن هذا القرآن، ومتابعة النبي عليه الصلاة والسلام، يسلكه اللَّه عذابًا صعبًا شاقًا شديدًا.
قال ابن عباس: (﴿يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا﴾ يقول: مشقة من العذاب يصعد فيها). وقال أيضًا: (﴿عَذَابًا صَعَدًا﴾ قال: جبل في جهنم). وقال قتادة: (عذابًا لا راحةَ فيه). أو قال: (صَعودًا من عذاب اللَّه لا راحة فيه). وقال ابن زيد: (الصعد: العذاب المنصب).
١٨ - ٢٤. قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (١٨) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (١٩) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (٢٠) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (٢١) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (٢٢) إِلَّا
(٢) حديث حسن. أخرجه ابن ماجة في السنن -حديث رقم- (٥). باب اتباع سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.