بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (٢٣) حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (٢٤)}.
في هذه الآيات: إثباتُ المساجد للَّه فلا يعبد فيها غير اللَّه الواحد الأحد العلي العظيم، وأنه ما على الرسول إلا البلاغ المبين، ومَنْ أَصَرَّ على الشرك باللَّه وعصيانه كان في الآخرة من أهل الجحيم.
فقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾. أي: وقل أوحي إليّ أن المساجد للَّه. وقال الخليل: (أي ولأن المساجد للَّه). وقال عكرمة: (﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ قال: المساجد كلها). وقال قتادة: (كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائِسهم وبيعهم أشركوا باللَّه، فأمر اللَّه نبيّه أن يوحّد اللَّه وحده).
قال القرطبي: (قوله تعالى: ﴿لِلَّهِ﴾ إضافة تشريف وتكريم، ثم خصّ بالذكر منها البيت العتيق فقال: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ﴾ [الحج: ٢٦]).
وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾. فيه تأويلان:
الأول: أي لما قام محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- يدعوهم إلى اللَّه تبارك وتعالى كادت العرب يجتمعون ضده ويزدحمون على حربه وإطفاء النور الذي جاء به.
الثاني: أي لما قام محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي اجتمع أصحابه عليه يصلون بصلاته ويسجدون بسجوده. وكلا المعنيين حق.
و﴿لِبَدًا﴾ أي جماعات، من تلبُّد الشيء على الشيء أي تجمع، ومنه اللِّبْد الذي يفرش لتراكم صوفه، وكل شيء ألصقته إلصاقًا شديدًا فقد لبَّدته. قال الرازي: (ويقال: الناس لُبَدٌ أيضًا أي مُجتمعون).
وعن مجاهد: (﴿كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ قال: جميعًا). وقال ابن زيد: (واللبد: الشيء الذي بعضه فوق بعض، قال: تظاهروا عليه بعضهم على بعض، تظاهروا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-). وقال قتادة: (تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفئوه، فأبى اللَّه إلا أن ينصره ويمضيه، ويظهره على من ناوأه).
وفي جامع الترمذي بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: [قول الجن لقومهم: ﴿لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ قال: لما رأوه يصلي وأصحابه يصلون بصلاته