ويسجدون بسجوده قال: تعجبوا من طواعية أصحابه له قالوا لقومهم: لما قام عبد اللَّه يدعوه كادوا يكونون عليه لبدًا] (١).
وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا﴾. قال ابن كثير: (أي: قال لهم الرسول لمَّا آذوه وخالفوه وكذَّبوه وتظاهروا عليه، لِيُبطِلوا ما جاء به من الحق واجتمعوا على عداوته: ﴿إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي﴾، أي: أعبدُ ربي وحدَه لا شريك له، وأستجيرُ به وأتوكَلُ عليه، ﴿وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا﴾).
وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا﴾. أي: قل لهم يا محمد: إن ما جئتكم به هو الحق، ولا أملك أمر هدايتكم أو غوايتكم، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل يقلبها كيف يشاء، ومن ثمَّ فالهداية أو الإضلال إنما شأن ذلك إليه جلت عظمته وقدرته.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾.
قال قتادة: (أي: لا نصيرَ ولا ملجأ). وقال أيضًا: (لا وليَّ ولا موئِل). وقال مجاهد: (﴿مُلْتَحَدًا﴾: ملجأ). وقال السدي: (حِززًا).
قال القرطبي: (﴿قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ﴾ أي لا يدفع عذابه عني أحد إن استحفظته. ﴿وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ أي ملتجأ ألجأ إليه).
وقوله: ﴿إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ﴾. قال الحسن: (فإن فيه الأمان والنجاة). فهو استثناء من قوله: ﴿قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ﴾. أي: لا يخلصني من بأس اللَّه إلا إخلاص إبلاغ الرسالة والدعوة إلى سبيله عز وجل. كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة: ٦٧].
ويجوز أن يكون مستثنًى من قوله تعالى -في الآية السابقة-: ﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا﴾.
قال قتادة: (فذلك الذي أملكه بتوفيق اللَّه، فأما الكفر والإيمان فلا أملكهما). والتقدير: لا أملك لكم إلا أن أبلغكم. قلت: وكلا المعنيين حق، وفي كل منهما انسجام مع سياق الآيات والبيان والإعجاز.