وقوله: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾.
قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: ومن يعص اللَّه فيما أمره ونهاه ويكذّب به، ورسوله، فجحد رسالاته، فإن له نار جهنم يصلاها ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ يقول: ماكثين فيها أبدًا إلى غير نهاية).
ونصب: ﴿خَالِدِينَ﴾ على الحال، وجُمعَ لأن المقصود وصف مصير كل من فعل ذلك. فَوُحِّدَ أوَّلًا للفظ "مَنْ" ثم جمع للمعنى.
وقوله: ﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ﴾. قيل: ﴿حَتَّى﴾ هنا مبتدأ. والتقدير: حتى إذا رأوا عذاب الآخرة الذي يوعدون، أو عذاب الدنيا قبله من القتل يوم بدر والخزي، هنالك سيعلمون. - حكاه القرطبي.
وقيل: ﴿حَتَّى﴾ متعلق بمحذوف دلت عليه الحال. والتقدير: لا يزالون على ما هم عليه حتى ﴿إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ﴾ من العذاب ﴿فَسَيَعْلَمُونَ﴾. حكاه النسفي.
وقوله: ﴿فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا﴾. أي: فسيعلمون عند حلول العذاب بهم ﴿مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا﴾: أهم أم المؤمنون المخلصون التوحيد والتعظيم للَّه عز وجل. أي: بل المشركون في حال خزي تام ومذلة يومئذ لا ناصر لهم بالكلِّية، وهم أقلُّ عددًا من جنود اللَّه عزّ وجل التي ستحيط بهم وتحاصرهم إلى أشد العذاب.
٢٥ - ٢٨. قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (٢٥) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (٢٧) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (٢٨)﴾.
في هذه الآيات: إثباتُ علم الغيب وأمر الوعد والوعيد للَّه العلي العظيم، فهو سبحانه قد أرسل الرسل وعلم أعمالهم وأحصى كل شيء في كتاب مبين.
فقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا﴾.
قال القرطبي: (يعني قيام الساعة. وقيل: عذاب الدنيا، أي لا أدري، فـ ﴿إِنْ﴾ بمعنى "ما" أو "لا". أي لا يعرف وقت نزول العذاب ووقت قيام الساعة إلا اللَّه).