الحديث السابع: أخرج ابن ماجة بإسناد صحيح عن جابر، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [إنَّ مِنْ أَحْسَنِ الناسِ صَوْتًا بالقرآن، الذي إذا سَمِعْتُموه يَقْرأُ، حَسِبْتُموه يَخْشى اللَّه] (١).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾. أي: إنا سنوحي إليك هذا القرآن، وهو قول ثقيل يثقل حمله والعمل بشرائعه. قال قتادة: (ثقيل واللَّه فرائضُهُ وحدوده). وقال مجاهد: (حلاله وحرامه). وقال الحسن: (العمل به). وقال أبو العالية: (ثقيلًا بالوعد والوعيد والحلال والحرام). وقال محمد بن كعب: (ثقيلًا على المنافقين).
وقيل: على الكفار، لما فيه من الاحتجاج عليهم، والبيان لضلالتهم وسبّ آلهتهم، والكشف عما حرّفه أهل الكتاب. حكاه القرطبي.
وقال الحسين بن الفضل: (ثقيلًا لا يحمله إلا قلب مؤيد بالتوفيق، ونفس مزينة بالتوحيد). وقال ابن زيد: (هو واللَّه ثقيل مبارك، كما ثقل في الدنيا يثقل في الميزان يوم القيامة).
قلت: والخلاصة أن هذا القرآن العظيم ثقيل في تنزيله، ثقيل في أحكامه وعبره وآياته، ثقيل في امتثال أوامره واجتناب نواهيه، ثقيل في ميزان من عظّمه وقام بما فيه يوم القيامة.
فقد أخرج البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت قال: [أنزل اللَّه على رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- وفخِذه على فخذِي، فَثَقُلَتْ عليَّ، حتى خِفْتُ أن تَرُضَّ فخذي] (٢).
وفي صحيح البخاري -أيضًا- عن عائشة أم المؤمنين رضي اللَّه عنها: [أن الحارث بن هشام رضي اللَّه عنه سأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسول اللَّه! كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشدّه عليَّ فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال. وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلًا فيكلمني فأعي ما يقول. قالت عائشة رضي اللَّه عنها: ولقد رأيته ينزلُ عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصَّد عرقًا] (٣).

(١) حديث صحيح. أخرجه ابن ماجة (١٣٣٩) في الصلاة. باب في حسن الصوت بالقرآن.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٥/ ١٨٢). وانظر تفصيل البحث في كتابي: السيرة النبوية على منهج الوحيين (١/ ١٥٨ - ١٧٢). البحث التاسع: أقسام الوحي وأنواعه.
(٣) حديث صحيح. أخرجه البخاري في مقدمة الصحيح. حديث (٢)، كتاب بدء الوحي.


الصفحة التالية
Icon