ومن عُسْرٍ إلى يسر، فصفح عن التقصير فيما أمرتم به، وأسقط عنكم فرض قيام الليل.
وقوله: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾. قال ابن جرير: (يقول: فاقرؤوا من الليل ما تيسر لكم من القرآن في صلاتكم، وهذا تخفيف من اللَّه عز وجل عن عباده فرضه الذي كان فرض عليهم بقوله: ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا﴾).
أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث سعد بن هشام بن عامر -أنه قال لعائشة رضي اللَّه عنها- أنبئيني عن قيام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. فقالت: ألستَ تَقْرَأُ: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾؟ قُلْتُ: بلى. قالت: [فإنَّ اللَّه عزَّ وجَلَّ افترضَ قِيامَ الليل في أوَّل هذه السورة، فقام نَبِيُّ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابُه حولًا، وأمسك اللَّه خاتِمَتَها اثْنَي عشر شَهْرًا في السماء، حتى أنزل اللَّه، في آخرِ هذه السورة، التخفيف، فصار قيامُ الليل تطوعًا بَعْدَ فريضة] (١).
وقوله: ﴿عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾.
أي: علم اللَّه أن سيكون في هذه الأمة أصحاب أعذار في ترك قيام الليل: كالمرضى، والمسافرين في مكاسبهم ومتاجرهم، والمنشغلين بما هو أعظم من ذلك وهو أمر الغزو والجهاد لإعلاء كلمة اللَّه في الأرض.
وقوله: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾. أي فاقرؤوا إن تيسّر عليكم ذلك، وصلّوا من الليل ما استطعتم. قال ابن كثير: (أي: قوموا بما تَيَسَّرَ عليكمُ منه).
وقوله: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾. أي: وأقيموا الصلاة المفروضة عليكم، وأدوا الزكاة الواجبة في أموالكم. والآية مكية، والمراد الصلاة التي فرضت بمكة أول الإِسلام، وكذلك الزكاة العامة قبل أن تحدد أنصبتها في المدينة.
وقوله: ﴿وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾. يعني من الصدقات. قال: عمر بن الخطاب: (هو النفقة في سبيل اللَّه). وقال زيد بن أسلم: (القرض الحسن النفقة على الأهل). وقال ابن زيد: (القرض: النوافل سوى الزكاة). قال القرطبي: (القرض الحسن ما قصد به وجه اللَّه تعالى خالصًا من المال الطيب).