قلت: وقد اشتملت هذه الآيات التي كانت في أول ما نزل من القرآن على منهاج الإِسلام كله، فرسمت محاور هذا الدين وأعمدة هذا البنيان، وأوضحت معالم هذا الدين بشكل مجمل. ففي مضمونها:
أولًا: تعظيم اللَّه وحده وتصغير الشرك والطغاة والطواغيت.
وقد ضُمِّنَ هذا المعنى بقوله: ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾، ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾. فهي دعوة التوحيد دعوة الرسل عليهم السلام.
أخرج أحمد وأبو داود بسند صحيح عن أبي تميمةَ عن رجل من قومه، أنه أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو قال: شهدت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأتاه رجل فقال: أنت رسول اللَّه -أو قال: أنت محمد؟ - فقال: نعم. قال: فإلامَ تَدْعو؟ قال: [أدعو إلى ربك الذي إنْ مَسَّكَ ضر فدعوته كشفَ عنكَ، والذي إن أضْلَلْتَ بأرض قفرٍ فدعوته ردّ عليك، والذي إن أصابتك سنة فدعوته أنبت لك] (١).
ثانيًا: تزكية النفس.
وقد تضمن هذا المفهوم في قوله سبحانه: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾، ﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ﴾.
ويكون هذا بلزوم عبادات وشرائع شرعها، وأخلاق ومعاليَ رغَّب ودعا إليها، وبتركِ قبائح وفواحِشَ حذّر من مغبتها.
ولقد وقع في رواية أخرى للحديث السابق تفصيلٌ آخر يربط هذه الأخلاق مع أعلاها، ويوضح نَسَبها إلى أرفعها وأرقاها، وهو تعظيم اللَّه جل ذكره وإفراده بكل معاني العبادة.
فقد أخرج أبو داود والترمذي عن أبي جري جابر بن سليم قال: [رأيت رجلًا يصدر الناس عن رأيه، لا يقول شيئًا إلا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قلت: عليك السلام يا رسول اللَّه، مرتين، قال: "لا تقل عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الميت، قل: السلام عليك". قال: قلت: أنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: "أنا رسول اللَّه الذي إذا أصابك ضُرٌّ فدعوته كشفه عنك، وإن أصابك عامُ سنةٍ فَدَعَوْتَهُ أنْبَتَها لكَ، وإذا كنت بأرض قَفْراءَ أو فلاةٍ فَضَلَّتْ راحلتك